الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الامتناع من نقض الغرض

صفحة 443 - الجزء 2

  أصحابنا: اعلم أن حكم الجزء المستفاد من الجملة أن يكون منكورا، والمفاد هو الفعل لا الفاعل. ولذلك لو أخبر بما لا شكّ فيه لعجب منه وهزئ (من قوله).

  فلمّا كان كذلك لم يجز تعريف ما وضعه على التنكير؛ ألا تراه يجرى وصفا على النكرة (وذلك) نحو مررت برجل يقرأ، فهذا كقولك: قارئ، ولو كان معرفة لاستحال جريه وصفا على النكرة.

  ومن ذلك امتناعهم من إلحاق «من» بأفعل إذا عرّفته باللام؛ نحو الأحسن منه، والأطول منه. وذلك أنّ (من) - لعمرى - تكسب ما يتصل به: من أفعل هذا تخصيصا ما؛ ألا تراك لو قلت: دخلت البصرة فرأيت أفضل من ابن سيرين لم يسبق الوهم إلا إلى الحسن ¥ (فبمن ما صحّت لك) هذه الفائدة، وإذا قلت: الأحسن أو الأفضل أو نحو ذلك فقد استوعبت اللام من التعريف أكثر مما تفيده (من) من حصّتها من التخصيص، فكرهوا أن يتراجعوا بعد ما حكموا به من قوّة التعريف إلى الاعتراف بضعفه، إذا هم أتبعوه من الدالة على حاجته إليها، وإلى قدر ما تفيده: من التخصيص المفاد منه.

  فأمّا ما ظنّ أبو عثمان الجاحظ من أنه يدخل على قول أصحابنا (فى هذا من قول الشاعر):

  فلست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزّة للكاثر⁣(⁣١)

  فساقط عنهم. وذلك أن (من) هذه ليست هى التى تصحب (أفعل) هذا لتخصيصه، فيكون ما رامه أبو عثمان من جمعها مع لام التعريف. وذلك لأنها إنما هى حال من تاء (لست)؛ كقولك: لست فيهم بالكثير مالا، وما أنت منهم بالحسن وجها، أى لست من بينهم وفى جملتهم بهذه الصفة؛ كقولك: أنت والله


(١) البيت من السريع، وهو للأعشى فى ديوانه ص ١٩٣، والاشتقاق ص ٦٥، وأوضح المسالك ٣/ ٢٩٥، وخزانة الأدب ١/ ١٨٥، ٣/ ٤٠٠، ٨/ ٢٥٠، ٢٥٤، وشرح التصريح ٢/ ١٠٤، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٥١، وشرح شواهد المغنى ٢/ ٩٠٢، وشرح المفصل ٦/ ١٠٠، ١٠٣، ولسان العرب (كثر)، (سدف)، (حصى)، ومغنى اللبيب ٢/ ٥٧٢، والمقاصد النحوية ٤/ ٣٨، ونوادر أبى زيد ص ٢٥، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٤٢٢، وخزانة الأدب ٢/ ١١، وشرح الأشمونى ٢/ ٣٨٦، وشرح ابن عقيل ص ٤٦٥، وشرح المفصل ٣/ ٦.