الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى الامتناع من نقض الغرض

صفحة 446 - الجزء 2

  يكون جمعان أحدهما أكثر من صاحبه وكلاهما مثال الكثرة؛ ألا ترى أن مائة للكثرة، وألفا أيضا كذلك، وعشرة آلاف أيضا كذلك، ثم على هذا ونحوه. فكأن بيوتا مائة، وبيوتات مائة ألف؛ وكأن عقبانا خمسون، وعقابين أضعاف ذلك. وإذا كان ذلك علمت اختلاف المعنيين لاختلاف اللفظين. وإذا آل بك الأمر إلى هذا لم (تبق وراءه مضطربا) فهذا قول.

  وجواب ثان: أنك إنما تكسّر نحو أكلب وعقبان ونداء لمجيء كل واحد من ذلك على أمثلة الآحاد وفى طريقها، فلمّا جاءت هذا المجيء جرت مجرى الآحاد، فجاز تكسيرها؛ كما يجوز تكسيرها؛ ألا ترى أنّ لذلك ما جاز صرفها، وترك الاعتداد بمعنى الجمعيّة فيها، لمّا جاءت مجئ الآحاد؛ فصرف كلاب؛ لشبهه بكتاب، وصرف بيوت؛ لشبهه (بأتىّ وسدوس)⁣(⁣١) ومرور؛ وصرف عقبان؛ لشبهه بعصيان وضبعان. وصرف قضبان؛ لأنه على مثال قرطان⁣(⁣٢). وصرف أكلب؛ لأنه قد جاء عنهم أصبع وأرزّ (وأسنمة)⁣(⁣٣) ولأنه أيضا لما كان لجمع القلّة أشبه فى المعنى الواحد؛ لأن محلّ مثال القلّة من مثال الكثرة فى المعنى محلّ الواحد من الجمع، فكما كسّروا الواحد، كذلك كسّروا ما قاربه من الجمع. وفى هذا كاف.

  فإن قلت: فهلا ثنّيت التثنية؛ كما جمعت الجمع؟ قيل: قد كفتنا العرب بقولهم: أربعة (عن قولهم) اثنانان. وأيضا فكرهوا أن يجمعوا فى (اثنانان) ونحوه بين إعرابين، متفقين كانا أو مختلفين؛ وليس شيء من ذلك فى نحو أكلب وأكالب.

  ومن ذلك ما قال أصحابنا: إن وصف العلم جار مجرى نقض الغرض. وذلك أن العلم إنما وضع ليغنى عن الأوصاف الكثيرة؛ ألا ترى أنك إذا قلت: قال الحسن فى هذه المسألة كذا، فقد استغنيت (بقولك: الحسن) عن قولك: الرجل الفقيه القاضى العالم الزاهد البصرىّ الذى كان من حاله كذا، ومن أمره كذا، فلمّا قلت: الحسن أغناك عن جميع ذلك. فإذا وصف العلم فلأنه كثر المسمّون


(١) الأتىّ - بضم الهمزة - من مصادر أتى، وهو أيضا النهر يسوقه الرجل إلى أرضه. اللسان (أتى). والسدوس: الطيلسان.

(٢) قرطان: ما يلقى تحت السرج.

(٣) أسنمة: موضع.