باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية
  وأوضحه، فهو المراد منه، والمقصود إليه. فجرى استعمال هذا فى القديم - سبحانه - مجرى العرف فيه والعادة فى أمثاله. أى لو كان - تعالى - ممّا يكون له وجه لكان كلّ موضع توجّه إليه فيه وجها له؛ إلا أنك إذا جعلت الوجه فى القول الأوّل مصدرا كان فى المعنى مضافا إلى المفعول دون الفاعل؛ لأن المتوجّه إليه مفعول (فى المعنى فيكون) إذا من باب قوله ø: {لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ}[فصلت: ٤٩] و {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ}[ص: ٢٤] ونحو ذلك ممّا أضيف فيه المصدر إلى المفعول به.
  وقوله تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا}[يس: ٧١] إن شئت قلت: لمّا كان العرف أن يكون أكثر الأعمال باليد جرى هذا مجراه. وإن شئت قلت: الأيدى هنا جمع اليد التى هى القوّة، فكأنه قال: مما عملته قوانا، أى القوى التى أعطيناها الأشياء، لا أنّ له - سبحانه - جسما تحلّه القوّة أو الضعف. ونحوه قولهم فى القسم: لعمر الله، إنما هو: وحياة الله، أى والحياة التى آتانيها الله، لا أن القديم سبحانه محلّ للحياة كسائر الحيوانات. ونسب العمل إلى القدرة وإن كان فى الحقيقة للقادر؛ لأن بالقدرة ما يتمّ له العمل؛ كما يقال: قطعه السيف، وخزقه الرمح. فيضاف الفعل إليهما؛ لأنه إنما كان بهما.
  وقوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي}[طه: ٣٩] أى تكون مكنوفا برأفتى بك، وكلاءتى لك؛ كما أن من يشاهده الناظر له، والكافل به، أدنى إلى صلاح أموره، وانتظام أحواله، ممن يبعد عمن يدبّره، ويلى أمره؛ قال المولّد:
  شهدوا وغبنا عنهم فتحكّموا ... فينا وليس كغائب من يشهد
  وهو باب واسع.
  وقوله: {وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر: ٦٧] إن شئت جعلت اليمين هنا الجارحة، فيكون على (ما ذهبنا) إليه من المجاز والتشبيه، أى حصلت السموات تحت قدرته، حصول ما تحيط اليد به فى يمين القابض عليه، وذكرت اليمين هنا دون الشمال لأنها أقوى اليدين، وهو من مواضع ذكر الاشتمال والقوّة. وإن شئت جعلت اليمين هنا القوّة؛ كقوله: