باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية
  إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين(١)
  أى بقوّته وقدرته. ويجوز أن يكون أراد بيد عرابة: اليمنى على ما مضى.
  وحدّثنا أبو على سنة إحدى وأربعين(٢)، قال: فى قول الله - جلّ اسمه - {فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ}[الصافات: ٩٣] ثلاثة أقوال: أحدها: باليمين التى هى خلاف الشمال. والآخر باليمين التى هى القوّة. والثالث (باليمين التى هى) قوله: {وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ}[الأنبياء: ٥٧] فإن جعلت يمينه من قوله: {مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (هى الجارحة مجازا وتشبيها كانت الباء هنا ظرفا) أى مطويّات فى يمينه وتحت يمينه. وإن جعلتها القوّة لم تكن الباء ظرفا؛ لكنها تكون حرفا، معناه الإلصاق والاستعانة به، على التشبيه بما يستعان به؛ كقولهم: ضرب بالسيف، وقطع بالسكين، وحفر بالفأس. هذا هو المعنى الظاهر، وإن كان غيره جائزا، على التشبيه والسعة.
  وقوله فى الحديث: «خلق الله آدم على صورته»(٣)، يحتمل الهاء فيه أن تكون راجعة على اسم الله تعالى، وأن تكون راجعة على آدم. فإذا كانت عائدة على اسم الله تعالى كان معناه: على الصورة التى أنشأها الله، وقدّرها. فيكون المصدر حينئذ مضافا إلى الفاعل، لأنه - سبحانه - هو المصوّر لها، لا أن له - عزّ اسمه - صورة و (مثالا)؛ كما أن قولهم: لعمر الله، إنما معناه: والحياة التى كانت بالله، والتى آتانيها الله، لا أن له - تعالى - حياة تحلّه، ولا أنه - عزّ وجهه - محلّ للأعراض. وإن جعلتها عائدة على آدم كان معناه: على صورة آدم أى على صورة أمثاله ممن هو مخلوق ومدبّر، فيكون هذا حينئذ كقولك فى السيد والرئيس: قد خدمته خدمته، أى الخدمة التى تحقّ لأمثاله، وفى العبد والمبتذل: قد استخدمته استخدامه، أى استخدام أمثاله ممن هو مأمور بالخفوف والتصرّف، فيكون إذا
(١) البيت من الوافر وهو للشماخ فى ديوانه ص ٣٣٦، ولسان العرب (عرب)، (يمن)، وتهذيب اللغة ٨/ ٢٢١، ١٥/ ٥٢٣، وجمهرة اللغة ص ٣١٩، ٩٩٤، وتاج العروس (عرب)، ومقاييس اللغة ٦/ ١٥٨.
(٢) أى بعد الثلاثمائة.
(٣) أخرجه البخارى فى «الأنبياء» (ح ٣٣٢٦)، وفى غير موضع، ومسلم فى الاستئذان، (ح ٢٨٤١)، وقد سبق قريبا.