السقيفة وبيعة أبي بكر
  قال: فتشهّد أبو بكر وأنصت الناس، فقال بعد كلام كثير: معاشر الأنصار؛ أنتم الذين آووا ونصروا ووازروا رسول الله ÷، وأنتم أنصار الله، وأنتم إخواننا في كتاب الله، وشركاؤنا في الدِّين وفيما كُنَّا فيه من الخير.
  والله ما كنا في خير قط إلا وأنتم شركاؤنا فيه، وأنتم أحبُّ الناس إلينا، وأكرمهم علينا، وأنتم أحق الناس بإرضائنا.
  وأنتم المؤثرون على أنفسهم يوم الخصاصة، والله ما زلتم تؤثرون إخوانكم من المهاجرين قط.
  وأنتم أحق الناس ألاَّ يكون انتقاض هذه الأُمَّة واختلافها على أيديكم، وأبعد الناس أن تحسدوا إخوانكم خيراً ساقه الله إليهم، وأنا أدعوكم إلى أبي عبيدة بن الجراح أو إلى عمر بن الخطاب فكلاهما رضيت لهذا الأمر، فكلاهما أراه لها أهلاً.
  فقال عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح: ما ينبغي لأحد من الناس أن يكون فوقك، أنت صاحب الغار مع رسول الله ÷، ثاني اثنين.
  فأطريا في مدح أبي بكر، فقالت الأنصار بعد كلام كثير واختلاف من القول: نحن نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا ولا منكم، فلو جعلتم اليوم رجلاً منكم بايعناه اليوم ورضيناه على أنه إذا هلك اخترنا رجلاً من الأنصار، فإذا هلك اخترنا رجلاً من المهاجرين أبداً ما بقيت هذه الأُمَّة.
  فكان من قول عمر بن الخطاب: هيهات! لا يجتمع سيفان في غِمْدٍ(١).
  فأطرأ المهاجرون في الدعاء إلى أبي بكر، فقالوا هذا: منا الأُمراء ومنكم الوزراء.
  فقال أبو بكر: هذا عمر، وهذا أبو عبيدة، فأيهما شئتم فبايعوه.
  فقالا: لا والله! ما نتولى عليك هذا الأمر، أنت خليفة رسول الله؛ أبسط يدك نبايعك.
(١) وفي تاريخ الطبري: هيهات! لا يجتمع اثنان في قرن.