[ذكر كتاب الخوارج في الطعن على أمير المؤمنين # وشيعته]
  فأي الحُكْمَيْن أحق أن يحكم به: أحكم الله الذي قاتل عليه أول مَرَّة حتى قَتل عليه نحو من سبعين ألفاً، وقال بعضهم: تسعين ألفاً. والله أعلم؟ أو حكم عمرو وأبي موسى الأشعري؟!.
  ولعَمْرِي؛ لقد كان حكمهما خسراناً مبيناً، وما كان يجوز لعلي ومن معه أن يحكِّموا عمرو بن العاص في دم عصفور أصيب في الحرم، فكيف في دماء المسلمين، والله يقول في الصيد الذي يصيبه في الحرم المحُرمُ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}[المائدة: ٩٥] فيما لم يأت به من الله فيه حكم منزل، ولقد حَكَم الله في قتال الفئة الباغية حكما مُفصَّلاً.
  ولقد علم كل ذي عقل أن علياً أولى بالإمامة من معاوية وعمرو بن العاص، وما قاتلهم إلا على اتفاقهم بحكم الله في الفئة الباغية، وليس لله في الفئة الباغية حكمان مختلفان، وإن حكم الله في ذلك لحكم واحد.
  وقد بلغنا أن حوشب ذا ظليم الأَلهاني، وكان من أصحاب معاوية، وكان فيما يقال من أجمل الناس وأبلغهم(١)، نادى علياً قبل وقعة صِفِّين بأيام، فأجابه علي والتقيا بين الصَّفين، ودنا منه حتى اختلفت أعنة دوابهما، وقد أمِن كل واحد منهما صاحبه، ولم يكونوا أهل غدر ولا فجور، فقال: يا عليّ! إن الله قد جعل لك سابقة وشرفاً وصهراً، وتجربة للأمور، فهل لك أن تحقن دمك ودماء المسلمين، وتضع الحرب عنَّا وعنكم، فيكون ذلك أسلم لدماء المسلمين؛ تخلي بيننا وبين شامنا، ونخلي بينك وبين عراقك؟
ولا خير في دفع الردى بمذلة ... كما ردّها يوماً بسوأته عمرو
(٢) أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس، المتوفى سنة ٤٢ هـ. أحد الحكمين، وخديعة عمرو له مشهورة.
(١) وفي (ب، ج): أحسن الناس وأجملهم.