الكامل المنير في إثبات ولاية أمير المؤمنين،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[ذكر كتاب الخوارج في الطعن على أمير المؤمنين # وشيعته]

صفحة 18 - الجزء 1

  فقال عليٌ: هيهات يا ذا ظليم إنك لم تأل حرصاً، ولا تحُضَى بجهدك وعلمك، ولكنِّي ضربت الأمر ظهره لبطنه، والله يغيِّبه عني حتى يتبيَّن لي ذلك اليوم من الليل، فما وجدته يسعني عند الله إلا قتالهم، أو الجحود بما أنزل الله على محمَّد ÷، فكان مؤنة القتال في هذه الدنيا أهون عليَّ من النار، والسلاسل والأغلال.

  فانصرف حوشب ذو ظليم وهو يقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون؛ هلكت العرب وربِّ محمَّد.

  فما كان بعد ذلك إلا بضعة عشر يوماً حتى افترقوا عن سبعين ألف قتيل من جحاجح العرب أكبرهم حوشب ذو ظليم، من بعد هذا ما كان من أمر الحَكَمين، والله أعلم بأمورهم، وحسابهم إلى الله، ولم نُكلَّف إلا أنفسنا، والله المستعان.

  وقد بلغنا أن الحَجَّاج بن يوسف⁣(⁣١) سأل الحسن بن أبي الحسن البصري: ما تقول في علي، وعثمان، وطلحة، والزبير، إنهم كانوا على الصواب أو الخطأ؟

  فقال الحسن: أقول فيهم كما قال من هو خير مني لمن هو شر منك: قال فرعون لموسى: ما بال القرون الأولى؟

  قال: علمها عند ربِّي في كتاب لا يضل ربِّي ولا ينسى.

  وقد بلغنا عن الربيع بن خثيم⁣(⁣٢) أنه قيل له: لِمَ لا تذكر الناس؟

  فقال: ما أنا راضٍ عن نفسي حتى أفرغ من ذمها إلى ذم الناس، إنِّي لا أخاف الإثم في ذنوب الناس وأخافه من ذنوبي.

  فقد ينبغي للعاقل أن يكون له في نفسه شغل عن الناس، وذكرهم، وطلب عيُوبهم، يحاسب نفسه، ويحبس لسانه عمَّا لا يحل له، ولم يُكلَّف علمه ولا ذكره، فإن ذلك أسلم


(١) الحجاج بن يوسف الثقفي، ولد سنة ٤٠ هـ، توفي بواسط سنة ٩٥ هـ. أمير من أمراء بني أمية، كان سفاكاً للدماء، مدمناً على المعاصي، قبيح السيرة، أخباره مملؤة بالمآسي والجرائم.

(٢) الربيع بن خيثم، وقيل: خثيم، أبو زيد الكوفي مخضرم، توفي سنة ٦٤ هـ. روى عن ابن مسعود، وأبي أيوب، وعمر بن ميمون. وعنه الشعبي، والنخعي.