الكامل المنير في إثبات ولاية أمير المؤمنين،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[في النهي عن الاختلاف، وبطلان حديث: «أصحابي كالنجوم»]

صفحة 37 - الجزء 1

  ومن ذلك أن عمر بن الخطاب - وهو أفضل الأُمَّة عندهم بعد أبي بكر - أمر برجم المرأة التي وضعت لستة أشهر فردهم عن ذلك علي بن أبي طالب - كَرَّمَ اللهُ وَجَهَهُ - فكان من قول عمر: «لولا علي لهلك عمر»⁣(⁣١)، وأخذوا بقول علي، وتركوا قول عمر.

  وقد رووا عن النبي ÷ أنه قال: «بين عيني عمر ملك يسدده»، فأخذوا بقول من أرادوا منهم، وتركوا قول من أرادوا.

  وزعمت الخوارج ومن قال بمقالتهم أن لهم الانقياد إلى ما لم يجدوا في كتاب الله ولا في سنة رسوله إلى قول العلماء وإن اختلفوا، وللحكام أن يختاروا من أقاويلهم ما أحبوا.

  فإذاً أصحاب محمَّد ~ وَآلِهِ عندهم أعلم من الله ومن رسوله بما تحتاج إليه الأُمَّة من حلالها وحرامها؛ لأنهم - فيما زعموا - لم يجدوا في كتاب الله ولا في سنة رسوله علم ما تحتاج إليه الأُمَّة، وإذاً الحكام عندهم الذي يقولون برأيهم أعلم عندهم من أصحاب محمَّد لاختيارهم أقاويل أصحاب الرأي، وكذبوا قول الله تبارك وتعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}⁣[الأنعام: ٣٨]، وقوله: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}⁣(⁣٢) [النحل: ٨٩].

  وزعموا أنه فَرَّط ولم يُبِيِّن، ولو بَيَّن لوجدوه، تعالى الله عمَّا يقولون علواً كبيراً، فلقد بَيَّن وأوضح، ودلّ وأمر باتباع الذي دلّ عليه، ولقد وبخهم بذلك إذ أمرهم أن يردوا علم ما لم يجدوا إلى ولي الأمر الراسخ في العلم الذي يعلم تأويل القرآن وتنزيله، وناسخه ومنسوخه، وحلاله وحرامه، ومحكمه ومتشابهه، الذي قال فيه: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا}⁣[المائدة: ٤٤]، ثم استثنى بعد النبيئين فقال: {وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ


(١) الرياض النضرة للمحب الطبري: ٢/ ١٩٤ و ٣/ ١٤٢، كنز العمال للمتقي الهندي: ٣/ ٩٦، ٢٢٨، الاستيعاب لابن عبد البَّر: ٢/ ٤٦١ و ٣/ ٣٩، التفسير الكبير للرازي: ٨٢/ ١٥، الدر المنثور للسيوطي: ٧/ ٤٤١ - ٤٤٢، تذكرة الخواص لسبط الدين الجوزي: ص ١٨٤، مناقب الخوارزمي: ص ٩٥ ح ٩٤، ذخائر العقبى: ص ٨٢، كفاية الطالب للكنجي: ص ٢٢٦.

(٢) (ب، ج): وقوله فيه تبيان لكل شيء.