الكامل المنير في إثبات ولاية أمير المؤمنين،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[الأدلة على إثبات الوصية وفضل أهل البيت $]

صفحة 54 - الجزء 1

  فقال ابن عباس ¥: إن العلم الغائب يستصعب لا يقوى على حمله إلا ثلاثة: ملك مقرب، أو نبي منتجب، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.

  وقد علمت أنَّك لست ملك، ولا نبي، ولعلَّك ممَّن امتحن الله قلبه بالإيمان.

  فكيف أنت إذا مر بمسامعك ما لم تسمع بمثله قط؟

  وكيف احتفاظك بما عسيت ألاّ يبلغ فهمك ذكره وإن كان هو الحق؟

  قال الشامي: أرجوا أن يلهمني الله معرفته.

  قال ابن عباس ¥: يا أخا أهل الشام؛ احفظ وافهم واسمع، وبلِّغ أصحابك أنِّي أخبرك أنه كان مثل علي بن أبي طالب ~ في هذا الأُمَّة كمثل العبد الصالح⁣(⁣١) الذي لقيه موسى صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِمَا على ساحل البحر كما وصفه الله سبحانه في كتابه، قال: {عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}⁣[الكهف: ٦٥].

  فلما أن لقيه موسى وكلمه وسمع كلامه أقر له بفضله، ولم يحسده على علمه كما حُسِد عليٌّ على علمه؛ بل خضع له موسى إذ لقيه وطلب إليه أن يتبعه ويعلم منه، قال له موسى {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}⁣[الكهف: ٦٦].

  قال له العالم: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا ٦٧ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا}⁣[الكهف: ٦٧ - ٦٨].

  قال: قال له موسى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}⁣[الكهف: ٦٩].

  قال العالم: إن علمي لا يُطاق، ولا يُصبر عليه؛ {فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا}⁣[الكهف: ٧٠]، فأعطاه موسى ذلك.

  فلما ركبا في السفينة خرقها العالم، وكان خرقه إيَّاها لله رضاً، وصلاحاً لأهلها، فلما رأى موسى أن ذلك عنده فساداً لم يصبر أن قال: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا}⁣[الكهف: ٧١].


(١) العبد الصالح: هو الإمام الخضر # كما في كتب التفاسير.