فصل [في ذكر شفاعة النبي ÷]
  وقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}[غافر: ١٨] أي: يجاب، كقوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}[الإنسان: ٢٤] أي لا تُجِب، فلو كانت لهم لكانوا غير مخلدين فيها، وذلك خلاف لصريح آيات الوعيد بالتخليد، ولكان الشفيع لهم عاصماً وولياً ونصيراً، وذلك خلاف لصرائح هذه الآيات.
  قالوا: ورد الاستثناء في قوله تعالى: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}[هود: ١٠٧].
  قلنا المعنى: هم خالدون في النار مدة القيامة(١) إلا مدة وقوفهم في المحشر للقطع بالوقوف فيه للحساب كما في حق أهل الجنة في قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}[هود: ١٠٨] إذ لا خلاف أن المراد بالاستثناء قبل دخول الجنة، والفرق تحكم.
  ولصريح قوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة: ١٦٧] وقوله تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف: ٧٧].
  قالوا: وردت أحاديث بأنها لأهل الكبائر.
  قلنا: يجب طرحها، لإجماع الصحابة على رفض معارض القرآن مما روي من الأخبار، ولقدح في متحمليها، ولمعارضتها الصحيح من الأخبار نحو قوله ÷: «صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي لعنهما الله على لسان سبعين نبياً» الخبر، وقوله ÷: «لا يدخل الجنة قتات(٢)» وقوله ÷: «لا يدخل الجنة صاحب مكس(٣)، ولا مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر، ولا قاطع رحم، ولا نمام» وقوله ÷: «لا يدخل الجنة بخيل» إلى غير ذلك.
(١) أي: مدة الحياة الآخرة. تمت من كتاب عدة الأكياس
(٢) القت: الكذب، والنميمة، والمراد به في الحديث: النمام. تمت لسان العرب
(٣) المكس: الجباية، قال ابن الأعرابي: المكس: درهم كان يأخذه المصدق بعد فراغه. تمت لسان العرب.