الأساس لعقائد الأكياس ط أهل البيت،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

[الميزان]

صفحة 174 - الجزء 1

[الميزان⁣(⁣١)]


(١) قال السيد العلامة الحسين بن يحيى المطهر حفظه الله في كتابه (القول السديد): هذا، وقد ذهبت المرجئة إلى القول بحقيقة الوزن، وأنه ميزان حقيقي، وله كفتان، وعمود، ولسان، ولهم في ذلك روايات، وأن العمود مثل ما بين المشرق والمغرب، وجعلوا له كفتين كبيرتين كأطباق الدنيا، قد يمكن الوزن فيها للجبال، والأشياء العظيمة التي لا يتصور وزنها. هذا ولا يخفى أن الأعمال كلها أعراض، وأن الوزن الحقيقي ممتنع فيها، وأنه محال. ولأن بعض الطاعات عَدَمِيَّة، كالصوم فإنه عدم الأكل والشرب، ولا يمكن وزن العدم، وكذا الإحرام، فإنه الامتناع من تغطية الرأس للرجل، والوجه للمرأة، ومن الطيب، ومداناة النساء، ونحو ذلك، وهي تروك عدمية لا يمكن وزنها، وكذا بعض المعاصي عَدَمِيَّة أيضاً، كترك الواجبات، فلا يمكن وزنها أيضاً، وهذا واضح. وأما كبر الكفتين، واتساعهما اتساعاً شاسعاً، فلم يظهر له أي فائدة، ولو فرض الوزن الحقيقي؛ لأنهم إن أرادوا أن تجتمع في الكفتين جميع أعمال الأمة الطاعات، و المعاصي، في مرة واحدة، ووزن واحد، فلا يمكن أن يعرف من خفت موازينه، ومن ثقلت. وإن وزنت أعمال كل عبد وحدها، فلا تحتاج إلى هذا الميزان، والعمود الذي وصفوه، والكفتين، وهذا مع فرض تسليم الوزن الحقيقي، وقد أبطلناه بما لا مزيد عليه، ولا يجهله إلا أغبى الأغبياء، وبهذا يظهر لك عدم صحة الحديث؛ لأنَّه يكون عبثاً، ولعدم صحة سنده، ولأنهم إنما أثبتوا ميزاناً واحداً، والله يقول: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}⁣[الأنبياء: ٤٧] فأتى بصيغة منتهى الجموع. وأما الذين قالوا بمجازيته فبعضهم ذهب إلى أنه باعتبار كثرة الطاعات، وقلة المعاصي، والعكس. والقول بهذا التأويل ضعيف جداً لا يتمشى مع قواعدنا، ومذاهبنا، ومذاهب من يقول بهذا التأويل وقواعدهم؛ لأنَّه فتح لباب الإرجاء، ويلزم منه الإغراء بالقبيح، والإغراء بالقبيح قبيح عند الفريقين اللذين اختلفوا في تأويله. وبعضهم ذهب إلى أنه كناية عن العدل، وقد احتجوا بقوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ...} الخ [الأعراف: ٨]، وبما قد قدمنا من امتناع وزن الأعراض، وبما سنبينه. أما فتح باب الإرجاء؛ فلأنَّ الذي يعمل المعاصي يبقى له رجاء بأن طاعاته تزيد على معاصيه، ولا تضره المعاصي إذاً. ولأنه يكون إغراء بها أيضاً؛ لأنَّه يحاول أن يكون له طاعات كثيرة، تزيد على عدد المعاصي، ويتجرأ على فعل المحرمات، ويضيف معها أعمالاً صالحة أكثر منها. هذا إن فرضت الموازنة بين الصغائر، والكبائر، والحسنات بالعدد. لأن الذي يدعوه هواه إلى فعل الكبائر، وملازمتها يمكنه أن يضم معها كثيراً من الطاعات مثلها أو مثليها، أو أقل؛ لأنَّ السيئة بمثلها، والحسنة بعشر أمثالها، ويكون طيلة عمره متجرئاً على الكبائر، وهذا إغراء بالفواحش والكبائر، وهو قبيح. ومعنى الموازنة هنا بالعدد، أنه إذا كان لك مائة حسنة عادلت ألف سيئة، فإذا زادت إحداهما غلبت الأخرى. وأما إن فرضت الموازنة بين الصغائر والحسنات فلا يخلو إما أن لا يكون قد اجتنبت الكبائر فالموازنة لا تفيد؛ لأن الحسنات إذا رجحت وثَمَّ كبائر لم يستفد منها؛ لأنَّ الكبائر توجب له النار، وقد أبطلنا الموازنة بين الحسنات والكبائر. وإن كانت الموازنة بين الصغائر والحسنات وقد اجتنبت الكبائر لم يكن للموازنة معنى؛ لأنَّ الصغائر مَلْغِيَّةٌ مُكَفَّرةٌ مع اجتناب الكبائر، لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}⁣[النساء: ٣١]. فإن قالوا: الموازنة بين الصغائر والحسنات =