فصل [في بيان الرزق]
  قلت وبالله التوفيق: لعلم الله تعالى أن أكثر العصاة يوقنون به تعالى، فلو أنه تعالى عاقبهم من غير خلق ما يعلمون به ضرورةً أن ذلك عقوبة لم يعرفوا كون ذلك عقوبة، وإنما يعدونه من نكبات الدهر كما يزعمون، وأن أكثر المُمْتَحَنِيْن لو جُوْزُوا مع عدم مثل ذلك لم يعلموا ضرورة أن الواصل إليهم جزاءً؛ بل يحصل التجويز أنه من سائر التفضلات، ومع عدم كشف الغطاء بخلق ذلك إثبات لحجة الأشقياء على الله تعالى لانتفاء الفرق عندهم بين من يخافه تعالى بالغيب، وبين من لا يخافه إلا عند مشاهدة العذاب، فيقولون: تبنا كالتائبين، وأطعناك كالمطيعين.
  ومع الفناء ثم البعث يعلمون علماً بتّاً؛ لأجل فنائهم وإعادتهم - أن الله حق، قال الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[فصلت: ٥٣] وأن الواصل إليهم جزاء قطعاً؛ لإخبار الله تعالى إياهم بذلك في الدنيا على ألسنة الرسل، ولإخبارهم أيضاً في الآخرة به، فيكون أعظم حسرة على العاصين، وأتم سروراً للمثابين، مع انتفاء حجة الأشقياء على الله؛ لأن الآخرة دار جزاء لا دار عمل، والله تعالى أعلم.
فصل [في بيان الرزق]
  العدلية: والرزق الحلال من المنافع والملاذ.
  المجبرة: بل والحرام.
  قلنا: نهى الله تعالى عن تناوله والانتفاع به، فهو كما لا يتناول ولا ينتفع به، وهو ليس برزق اتفاقاً.
  وأيضاً لم يسم الله تعالى رزقاً إلا ما أباحه له دون ما حرمه، قال الله تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}[النحل: ٦٧].
  المسلمون: وما ورد الشرع بتحريمه فلا يحل تناوله.