فصل [في بيان الإحباط وكيفيته]
  ولا تتم النجاة بها إلا بعموم التوبة اتفاقاً.
  وفي إسقاطها لما خص بها من الذنوب خلافٌ، الأصح أنه لا يقع؛ لأن الآيات الواردة لا تدل إلا على العموم فقط، نحو قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}[طه: ٨٢].
  ولا دليل على قبول توبة من خص بها بعض ذنوبه إلا قياس(١) معارض بمثله، فوجب طرحهما، والرجوع إلى الآيات كما تقدم.
  ولقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء: ٣١].
  والإصرار على بعض المعاصي من الكبائر - وهو غير مجتنب - والآية تدل على عدم المغفرة مع عدم اجتناب الكبائر، ولقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة: ٢٧]، والمصرُّ غير متق.
فصل [في بيان الإحباط وكيفيته]
  ومن لم يتب من المعصية الكبيرة الغير مخرجة من الملة، وفَعَل طاعة سقط القضاء إجماعاً، ولم تُسقط هي شيئاً من عقاب عصيانه، وفاقاً لأبي علي والإخشيدية(٢).
  المهدي # والبهشمية، وادعى القاضي جعفر الإجماع: بل فعل الطاعة
(١) أما قياسهم فقالوا: لو لم تصح التوبة من ذنب دون ذنب آخر لزم في يهودي أسلم وهو عازم على غصب درهم أن لا يصح إسلامه فيبقى على حكم اليهودية، وذلك مخالف لإجماع الأمة. وأما القياس المعارض به فنقول: لو كانت التوبة من ذنب دون ذنب مقبولة لزم فيمن قتل ولداً لغيره وأخذ ماله أن يصح اعتذاره عن القتل دون أخذ المال فيبقى مصراً، والمعلوم أن مثل هذا الاعتذار عند العقلاء لا يقبل. تمت
(٢) قال في الشرح: إلا أن الفرق بين قول الإخشيدية وقول أبي علي: أن الإخشيدية تقول: تقع الموازنة بين الفعل وبين المستحق الذي هو الثواب والعقاب فيكون الساقط مطلقاً هو الفعل والْمُسقط هو المُستحق فينحبط فعل الطاعة بالعقاب المُستحق على المعصية ويتكفر فعل المعصية بالثواب المستحق على الطاعة. وأما أبو علي فيقول: تقع الموازنة بين الفعلين فعل الطاعة وفعل المعصية ولا مدخل للمستحقين في إحباط ولا تكفير.