[بحث مفيد في مسائل الخلاف الأصولية]
  والذين ينفون ذلك يقولون: إن ذوات العالم معلومة في الأزل.
  وكل الفريقين يقولون: إنها غير موجودة لا في الأزل ولا في القدم، إلا أن الأولين يقولون: ثابتة في الأزل، والمقصد ثبوت الذاتية للذات قبل وجودها بمعنى الحكم لها بالذات، والفريق الثاني لا يثبتون الذات إلا للموجود، فالخلاف إذاً في مجرد الاصطلاح؛ لأنهم قد اتفقوا على أنها معدومة في الأزل، وأنها معلومة في الأزل، وهو معنى الثبوت.
  وكذا إثبات بعضهم الصفة الأخص لله، وأنها اقتضت له الصفات الأربع، القادرية، والعالمية، والحيية، والوجودية.
  وذلك أن الذوات لما اشتركت في التسمية بالذاتية ذات الجسم، وذات العرض، والجوهر - عند من قال به - وذات الباري جلّ وعلا، فلا بد من اختصاص كل ذات بما تتميز به عن سائر الذوات، كاختصاص الجسم بالتحيز، والعرض بعدم استقلاله بنفسه، وأنه لا بد له من شبح يحل فيه، وذات الباري تعالى بكونه واجب الوجود، مع أن الذين لا يقولون بالصفة الأخص يثبتون له هذه الصفة، وأنه مختص بها، فقد وافقوا الأولين في المعنى.
  هذا وإن كانت صفات الله الذاتية كلها صفة أخص، إلا أن الأولى واضحة، وفي الباقيات غموض.
  وأما أنها اقتضت له الصفات الأربع فمعناه أن بينها وبين الصفات الأربع تلازماً، وهو معنى الاقتضاء، وقد يشكل عليهم اقتضاؤها في الصفة الوجودية؛ لأنها الصفة الأخص كما قدمنا، فكأنها صفةٌ خامسةٌ عندهم، وليس لهم عليها دليل، والذين ينفون الصفة الأخص يثبتون اقتضاء هذه الصفة للصفات الأخرى في المعنى، وكذا قول بعضهم: إن صفات الله أمور زائدة على ذاته.