الأساس لعقائد الأكياس ط أهل البيت،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

فصل [في التحسين والتقبيح العقليين]

صفحة 23 - الجزء 1

  البدرة عنده حقيرة، وعندهما جليلة.

  ولو سلمنا لزم أن يجعلوا لله تعالى علواً كبيراً صفة نقص حيث أمر أن يُسخَرَ به في قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}⁣[الضحى: ١١] إذ ذلك صفة نقص عند العقلاء، مع أن استحقارهم لنعم الله تعالى ردٌّ منهم لقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا}⁣[النساء: ٥٤]، وقوله تعالى: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}⁣[النساء: ١١٣]، ومن رد آية كفر بإجماع الأمة المعلوم، بل ذلك معلوم من الدين ضرورة.

  والجواب عن الثانية: التمكينُ من أملاكه مع خلق العقل المميز إذنٌ، كالمُمَكِّن من أملاكه الناصب للعلامة فيما يؤخذ منها وما يترك، قال الله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}⁣[الشمس: ٨]، أي بما ركب الله فيها من العقول ولم يفصل⁣(⁣١).

  قالوا: قال الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}⁣[الإسراء: ١٥]، فدلت أن لا استحقاق للعقاب قبل ورود الشرع.

  والجواب - والله الموفق -: أن الآية لا تنافي ما ذهبنا إليه؛ لأن المعنى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} بعد استحقاق العذاب بارتكاب القبائح العقلية، بدليل: قوله تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ}⁣[الأنعام: ١٣١].

  فأخبر الله سبحانه أنهم قد ارتكبوا القبح الذي هو الظلم، وهم غافلون عن السمع حيث لم تبلغهم الرسل، فقال تعالى: {حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}


(١) ولم يفصل تعالى بين إلهام الحسن في ملاءمة الطبع وفي صفة الكمال، والقبح في منافرة الطبع وصفة النقص، وبين إلهام الحسن فيما يتعلق به في الآجل ثواب، والقبح فيما يتعلق به في الآجل عقاب. تمت من كتاب عدة الأكياس.