المجموع الفقهي والحديثي،

الإمام زيد بن علي (المتوفى: 122 هـ)

ثورته الخالدة

صفحة 46 - الجزء 1

  والديني، ربما عادت الأسباب في ذلك - بشكل أو بآخر - إلى ما بعد وفاة خاتم الرسل مباشرة، ولكن الأمة بدأت ترصد اكتمال الصورة لهذا الإنقلاب، منذ اعتلاء الأمويين قمة الهرم السياسي في الدولة الإسلامية، وأولهم معاوية بن أبي سفيان، الذي بدأ يؤسس لملك عضوض، ولأن معاوية - ومثله بقية الحكام من بني أمية - يدرك أن الدين الإسلامي الصحيح لا يسعفه بمبرر البقاء على رأس السلطة، ولا يلبي طموحه الدنيوي، فإنه لم يجد سبيلاً إلى ذلك، سوى اللجوء إلى قلب المفاهيم الدينية، وتطويع العقيدة الإسلامية، بما يتلائم مع مخططه المشؤوم، لإضفاء الشرعية على السلطة الأموية واستمراريتها، وبهذا يكون قد اختط لمن بعده - من حكام الجور - السياسة العامة، موكلاً إليهم في نفس الوقت أمر تطويرها وترسيخها.

  ومن هنا بدأت تظهر مفاهيم الجبر، والتشبيه، والإرجاء، والإفتراء على الله ورسوله، مسخرين لترويج هذه الأفكار مرتزقة الأمة، من أدعياء العلم والفتيا، كما حشدوا طاقاتهم في سبيل تخدير الأمة، وتذويب أي مقاومة أو محاولة للإصلاح، فالحاكم وجماعته هم أهل الحق، ومعارضتهم أو مقاومتهم اعتراض على إرادة الله، والعبث بأموال الأمة ومقدراتها لا يوجب اعتراضاً أيضاً، فعلى كل إنسان أن يصبر وأن يسكت، فتلك حكمة الله، وذلك قضاؤه وقدره، وإلا كان السيف هو دواء المعارضة، وجزاء المعارض، وإمعاناً في تجفيف منابع الخير والرشاد، فإن الجنة مفتحة أبوابها، لكل من يقول: (لا إله إلا الله) وبالتالي فلا ضرورة للقيام بسائر التكاليف الدينية، كل ذلك لتغييب فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها ... وغيرها.

  حينها شعر الرواد من أهل البيت $ بخطورة الوضع، فحملوا على عواتقهم مبدأ التصحيح، ذوداً عن الرسالة المحمدية، وهم يعلمون جيداً أن ثمن هذا المبدأ هو القتل، والسجن، والتعذيب، والتشريد ... لكن مثل هذه الحسابات لا تثبط مثل عزائمهم، فانفجرت ثورة الحسين، ونكب الإسلام بمقتله على يد الأمويين، وإن