ثورته الخالدة
  إنها عدالة القضية وسمو الرسالة، من جعلت نفوسهم تسيل على حد الظبات، إباءً وتضحية وشجاعة وإقداماً، وهي من أضاءت التاريخ بأسماء شهدائهم وأبطالهم، والإمام زيد واحد من أعظم هؤلاء، عرف فارساً شجاعاً مقداماً، لا يخشى في الله لومة لائم، قال لهشام حين تجاهله: السلام عليك أيها الأحول، وإنك لجدير بهذا الاسم، ويروى أن هشاماً أقسم أنه سيقطع رأس كل من يقول له: إتق الله، فقالها الإمام زيد، ثم أردف قائلاً: (يا هشام: إن الله لم يرفع أحداً فوق أن يؤمر بتقوى الله، ولم يضع أحداً دون أن يأمر بتقوى الله)، وقال ليوسف بن عمر أحد جلاوزة الدولة الأموية المشهورين بالبطش والظلم، وقد كان توعد الإمام وتهدده: دعني من إبراقك وإرعادك، فلست ممن في يديك تعذبهم كما تشاء، واحملني على كتاب الله وسنة نبيه، لا على سنتك وسنة هشام(١)، ولم تقف به رباطة الجأش عند شجاعة الكلمة، وإنما دفعته إلى تفجير ثورته الخالدة، التي عمدها بدمه الشريف، بعد أن قاد الرجال في ميدان الكرامة والجهاد، وبعد أن رسم في ساحة الوغى والنزال أروع المواقف البطولية ... بلا حساب لعناء التضحية وتبعاتها.
  أوليس هو القائل: (والله لوددت أن يدي ملصقة بالثريا، ثم أقع فأتقطع قطعة قطعة، ويصلح الله بذلك أمر أمة محمد)(٢)، وإن إنساناً مثل زيد يقدّم نفسه رخيصة في سبيل مبادئ عامة تهم الأمة في مجموعها، لهو الشجاع المطلق.
ثورته الخالدة
  المتأمل لتاريخ الإسلام والمسلمين في العصر الأموي يلاحظ إنقلاباً شمولياً غاشماً على مفاهيم الشريعة المحمدية الأصيلة، جاء كنتيجة حتمية لاختلال نظام الدولة الإسلامية، وموازين الشرعية في الحكم، استناداً إلى تراكمات من الخلاف والإختلاف السياسي
(١) المصابيح (خ).
(٢) مقاتل الطالبيين ١٢٩.