المجموع الفقهي والحديثي،

الإمام زيد بن علي (المتوفى: 122 هـ)

النهاية المؤلمة

صفحة 50 - الجزء 1

  حوله لحظة المداهمة، بالإضافة إلى أن جزءاً منهم حوصر في المسجد، وكثيراً منهم تخلف غدراً وخيانة، ومع ذلك لم ييأس الإمام ولم يستسلم، وإنما قرر المواجهة، وإلى الله تصير الأمور، فخرج متقلداً سيفه، لابساً ملابس الحرب، ومن ثم زحف # برجاله، وتعالى صوته وأصحابه بالتكبير، والمناداة بشعار رسول الله: (يا منصور أمت) وفي ساحة الوغى رسم أروع المواقف البطولية، جندل فيها صناديد الشام، ومزق صفوفهم، فجعلوا يفرون منه كالقطعان، وهو ينادي: ألا من طرح سلاحه فهو آمن، حتى سيطر على الكوفة، ولكن المدد الأموي القادم من قبل الحيرة بدأ يتدفق كالسيل، وعلى النقيض تماماً كان جند الإمام ينقصن ولا يزيد، عند ذلك نظر إلى نصر بن مزاحم وقال: يا نصر أخاف أهل الكوفة أن يكونوا قد فعلوها حسينية، فقال نصر: جعلني الله فداك، أما أنا فوالله لأضربن بسيفي بين يديك حتى أموت، وبعد ذلك قاتل ومن معه قتال المستبسل، وظل سيفه يعمل فيهم حتى أصابه سهم غادر من جبان رعديد لم يقو على مواجهته أو منازلته، وحينها سمع صوته من قلب المعركة وهو يقول: الشهادة ... الشهادة، الحمدلله الذي رزقنيها، ولولا إصابته لزحف برايته حتى النصر، لأن ميزان التفوق في الأداء العسكري والقتالي كان يرجح كفة الإمام وصحبه⁣(⁣١)، ولهذا ظن الأمويون عندما تراجع أصحاب الإمام زيد أنهم ما فعلوا ذلك إلاّ لدخول الليل وحلول الظلام.

النهاية المؤلمة

  أما الإمام #، فقد مكث يعاني جراحه النازفة - بعد أن عجز الطبيب - حتى مات ¦ شهيداً في الخامس وعشرين من شهر محرم من سنة ١٢٢ هـ، وقد كان آخر ما قاله وصية أفرغها في دماء ولده الأكبر، إذ جاءه ولده يحيى فأكب عليه، وبكى بكاءً مراً، ثم مسح الدم عن وجه أبيه وقال: أبشر يا ابن رسول الله، ترد


(١) انظر كتاب (الإمام زيد) للشيخ أبي زهرة، ص ٥٩.