الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى أغلاط العرب

صفحة 477 - الجزء 2

  يصاحب الشيطان من يصاحبه ... فهو أذى جمّة مصاوبه⁣(⁣١)

  وقالوا فى واحدتها: مصيبة، ومصوبة، ومصابة. وكأنّ الذى استهوى فى تشبيه ياء مصيبة بياء صحيفة أنها وإن لم تكن زائدة فإنها ليست على التحصيل بأصل، وإنما هى بدل من الأصل، والبدل من الأصل ليس أصلا، وقد عومل لذلك معاملة الزائد؛ حكى سيبويه عن أبى الخطّاب أنهم يقولون فى راية: راءة.

  فهؤلاء همزوا بعد الألف وإن لم تكن زائدة؛ وكانت بدلا؛ كما يهمزون بعد الألف الزائدة فى فضاء وسقاء. وعلّة ذلك أن هذه الألف وإن لم تكن زائدة فإنها بدل، والبدل مشبه للزائد. والتقاؤهما أن كل واحد منهما ليس أصلا.

  ونحو منه ما حكوه فى قولهم فى زاى: زاء. وهذا أشدّ (وأشدّ) من راءة؛ لأنّ الألف فى راءة على كل حال بدل، وهى أشبه بالزائد، وألف زاى ليست منقلبة، بل هى أصل؛ لأنها فى حرف، فكان ينبغى ألا تشبه بالزائد؛ إلا أنها وإن لم تكن منقلبة فإنها وقعت موقع المنقلبة؛ لأن الألف هنا فى الأسماء لا تكون أصلا. فلمّا كان كذلك شبّهت ألف زاى لفظا بألف باب ودار؛ كما أنهم لمّا احتاجوا إلى تصريف أخواتها قالوا: قوّفت قافا، ودوّلت دالا، وكوّفت كافا، ونحو ذلك.

  وعلى هذا (أيضا قالوا) زويت زايا، وحكى: إنها زاى فزوّها. فلما كان كذلك انجذب حكم زاى إلى حكم راءة.

  وقد حكيت عنهم منارة ومنائر، ومزادة ومزائد. وكأنّ هذا أسهل من مصائب؛ لأن الألف أشبه بالزائد من الياء.

  ومن البدل الجارى مجرى الزائد - عندى لا عند أبى علىّ - همزة وراء. ويجب أن تكون مبدلة من حرف علّة؛ لقولهم: تواريت عنك؛ إلا أن اللام لمّا أبدلت همزة أشبهت الزائدة التى فى ضهيأة⁣(⁣٢)؛ فكما أنك لو حقّرت ضهيأة لقلت: ضهيّئة، فأقررت الهمزة، فكذلك قالوا فى تحقير وراء: وريّئة. ويؤكّد ذلك قول بعضهم فيها: وريّة؛ كما قالوا فى صلاءة: صليّة. فهذا ما أراه أنا وأعتقده فى (وراء) هذه. وأمّا أبو علىّ | فكان يذهب إلى أن لامها فى الأصل


(١) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (أذى)، وتاج العروس (أذى).

(٢) ضهيأة: هى التى لا تحيض.