الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى أغلاط العرب

صفحة 478 - الجزء 2

  همزة، وأنها من تركيب (ورأ)، وأنها ليست من تركيب (ورى). واستدلّ على ذلك بثبات الهمزة فى التحقير، على ما ذكرنا. وهذا - لعمرى - وجه من القول، إلا أنك تدع معه الظاهر والقياس جميعا. أمّا الظاهر فلأنها فى معنى تواريت، وهذه اللام حرف علّة، لا همزة، وأن تكون ياء واجب؛ لكون الفاء واوا. وأمّا القياس فما قدّمناه: من تشبيه البدل بالزائد. فاعرف ما رأيناه فى هذا.

  ومن أغلاطهم قولهم: حلأت السّويق، ورثأت زوجى بأبيات، واستلأمت الحجر، ولبّأت بالحج، وقوله:

  * كمشترئ بالحمد أحمرة بترا*

  وأمّا مسيل فذهب بعضهم فى قولهم فى جمعه: أمسلة إلى أنه من باب الغلط.

  وذلك لأنه أخذه من سال يسيل (فهو عندهم على مفعل كالمسير والمحيض) وهو عندنا غير غلط؛ لأنهم قد قالوا فيه: مسل، وهذا يشهد بكون الميم فاء. فأمسلة ومسلان: أفعلة وفعلان؛ كأجربة وجربان. ولو كانت أمسلة ومسلان من السيل لكان مثالهما: أمفلة ومفلان والعين منهما محذوفة، وهى ياء السيل. وكذلك قال بعضهم فى معين؛ لأنه أخذه من العين لأنه من ماء العيون، فحمله على الغلط؛ لأنهم قد قالوا: قد سالت معنانه⁣(⁣١)، وإنما هو عندنا من قولهم أمعن له بحقّه، إذا طاع له به. وكذلك الماء إذا جرى من العين فقد أمعن بنفسه، وطاع بها. ومنه الماعون؛ لأنه (ما من) العادة المسامحة به، والانقياد إلى فعله.

  وأنشدنى (أبو عبد الله الشجرىّ) لنفسه من قصيدة:

  ترود ولا ترى فيها أريبا ... سوى ذى شجّة فيها وحيد⁣(⁣٢)

  (كذا أنشدنى هذه القصيدة مقيّدة) فقلت له: ما معنى أريبا، فقال: من الريبة.

  وأخبرنا أبو علىّ (عن الأصمعىّ أنه) كان يقول فى قولهم للبحر: المهرقان: إنه من قولهم: هرقت الماء. وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى بقول (بلال بن) جرير:


(١) المعنان: مجارى الماء فى الوادى. اللسان (معن).

(٢) أريبا: أى ما يريبها. وذو شجة: الوتد.