الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى جمع الأشباه من حيث يغمض الاشتباه

صفحة 511 - الجزء 2

  من بعض ما كان يصلح له الأمام.

  ومن ذلك أن يقال لك: من أين تجمع بين قول الله سبحانه: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ٩ فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ}⁣[الطارق: ٩ - ١٠] مع قول الشاعر:

  زمان علىّ غراب غداف ... فطيّره الدهر عنّى فطارا⁣(⁣١)

  فالجواب: أن فى كل واحد من الآية والبيت دليلا على قوّة شبه الظرف بالفعل.

  أمّا الآية فلأنه عطف الظرف فى قوله: {فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ} على قوله: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ} والعطف نظير التثنية؛ وهو مؤذن بالتماثل والتشابه. وأما البيت فلأنه عطف الفعل فيه على الظرف الذى هو قوله: (علىّ غراب غداف). وهذا واضح. وبهذا يقوى عندى قول مبرمان: إن الفاء فى نحو قولك: خرجت فإذا زيد عاطفة، وليست زائدة كما قال أبو عثمان؛ ولا للجزاء كما قال الزيادىّ.

  ومن ذلك أن يقال: من أين تجمع قول الله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ}⁣[الإسراء: ١١١] مع قول امرئ القيس:

  على لاحب لا يهتدى بمناره ... إذا سافه العود النباطىّ جرجرا⁣(⁣٢)

  والجواب أن معنى قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ}: لم يذلّ فيحتاج إلى ولىّ من الذّل؛ كما أن هذا معناه: لا منار به فيهتدى به. ومثله قول الآخر:

  لا تفزع الأرنب أهوالها ... ولا يرى الضبّ بها ينجحر⁣(⁣٣)

  وعليه قول الله تعالى: {فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ}⁣[المدثر: ٤٨] أى لا


(١) البيت من المتقارب، وهو للكميت فى لسان العرب (غرب)، ويروى: الشيب بدلا من الدهر.

(٢) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ٦٦، ولسان العرب (ديف)، (سوف)، (لحف)، وتهذيب اللغة ٥/ ٧٠، ١٣/ ٩٢، ١٤/ ١٩٨، وأساس البلاغة (سوف)، وتاج العروس (ديف)، (لحف)، (سوف)، وبلا نسبة فى لسان العرب (نسا)، ومقاييس اللغة ٢/ ٣١٨، ومجمل اللغة ٢/ ٣٠٤، ويروى: الدياضىّ بدلا من النباطى.

(٣) البيت من السريع، وهو لابن أحمر فى ديوانه ص ٦٧، وأمالى المرتضى ١/ ٢٢٩، وخزانة الأدب ١٠/ ١٩٢، وبلا نسبة فى خزانة الأدب ١١/ ٣١٣.