باب فى جمع الأشباه من حيث يغمض الاشتباه
  يشفعون لهم فينتفعوا بذلك. يدل عليهم قول عز اسمه: «ولا يشفعون إلا لمن ارتضى» وإذا كان كذلك فلا شفاعة إلا للمرتضى. فعلمت بذلك أن لو (شفع لهم لا ينتفعون) بذلك. ومنه قولهم: هذا أمر لا ينادى وليده، أى لا وليد فيه فينادى.
  فإن قيل: فإذا كان لا منار به ولا وليد فيه (ولا أرنب هناك) فما وجه إضافة هذه الأشياء إلى ما لا ملابسة بينها وبينه؟
  قيل: لا؛ بل هناك ملابسة لأجلها ما صحّت الإضافة. وذلك أن العرف أن يكون فى الأرض الواسعة منار يهتدى به، وأرنب تحلّها. فإذا شاهد الإنسان هذا البساط(١) من الأرض خاليا من المنار والأرنب، ضرب بفكره إلى ما فقده منهما، فصار ذلك القدر من الفكر وصلة بين الشيئين، وجامعا لمعتاد الأمرين.
  وكذلك إذا عظم الأمر واشتدّ الخطب علم أنه لا يقوم له، ولا يحضر فيه إلا الأجلاد وذوو البسالة، دون الولدان وذوى الضراعة. فصار العلم يفقد هذا الضرب من الناس وصلة فيه بينهما، وعذرا فى تصاقبهما وتدانى حاليهما.
  ومن ذلك أن يقال: من أين تجمع قول الأعشى:
  ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبتّ كما بات السليم مسهّدا(٢)
  مع قول الآخر - فيما رويناه عن ابن الأعرابىّ -:
  وطعنة مستبسل ثائر ... تردّ الكتيبة نصف النّهار(٣)
  ومع قول العجاج:
  * ولم يضع جاركم لحم الوضم(٤) *
  ومع قوله أيضا:
(١) البساط - بفتح الباء وكسرها -: الأرض الواسعة.
(٢) السليم: اللديغ.
(٣) البيت من المتقارب، وهو بلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٧٥٢، والمحتسب ٢/ ١٢٢.
(٤) الرجز للعجاج فى ديوانه ١/ ٤٢٧، ولسان العرب (لحم).