باب فى جمع الأشباه من حيث يغمض الاشتباه
  * حتى إذا اصطفّوا له جدارا(١) *
  والجواب: أن التقاء هذه المواضع كلّها هو فى أن نصب فى جميعها (على المصدر) ما ليس مصدرا. وذلك أن قوله: (ليلة أرمدا) انتصب (ليلة) منه على المصدر؛ وتقديره: ألم تغتمض عيناك اغتماض ليلة أرمد، فلمّا حذف المضاف الذى هو (اغتماض) أقام (ليلة) مقامه، فنصبها على المصدر؛ كما كان الاغتماض منصوبا عليه. فالليلة إذا هاهنا منصوبة على المصدر لا على الظرف. كذا قال أبو علىّ لنا. وهو كما ذكر؛ لما ذكرنا. فكذلك إذا قوله:
  * تردّ الكتيبة نصف النهار(٢) *
  (إنما نصف النهار) منصوب على المصدر لا على الظرف؛ ألا ترى أن ابن الأعرابىّ قال فى تفسيره: إن معناه: تردّ الكتيبة مقدار نصف يوم، أى مقدار مسيرة نصف يوم. فليس إذا معناه: تردّها فى وقت نصف النهار؛ بل: الردّ الذى لو بدئ أوّل النهار لبلغ نصف يوم. وكذلك قول العجّاج:
  * ولم يضع جاركم لحم الوضم(٣) *
  ف (لحم الوضم) منصوب على المصدر، أى ضياع لحم الوضم. وكذلك قوله أيضا:
  * حتى إذا اصطفّوا له جدارا(٤) *
  ف (جدارا) منصوب على المصدر. هذا هو الظاهر؛ ألا ترى أن معناه: (حتى إذا اصطفوا له) اصطفاف جدار، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه؛ على ما مضى. وقد يجوز أن يكون (جدارا) حالا أى مثل الجدار، وأن يكون أيضا
(١) من أرجوزة له يمدح فيها الحجاج، ويذكر إيقاعه بالخوارج. فقوله: «اصطفوا»: أى الخوارج، يريد: أنهم برزوا له فى الموقعة، وجواب الشرط فى قوله بعد:
أو رد حذّا تسبق الأبصارا ... يسبقن بالموت القنا الحرارا
وهو يريد بالحذّ سهاما خفيفة، والحرار جمع الحرّى، وصفها بذلك لحرارة الطعن بها.
(٢) سبق تخريجه.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) سبق تخريجه.