باب فى جمع الأشباه من حيث يغمض الاشتباه
  منصوبا على فعل آخر، أى صاروا جدارا، أى مثل جدار، فنصبه فى هذا الموضع على أنه خبر صاروا. والأوّل أظهر وأصنع.
  ومن ذلك أن يقال: من أين يجمع قول الله سبحانه: {فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ}[المؤمنون: ٧٦] مع قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ}[البقرة: ٤٩].
  والتقاؤهما أن أبا علىّ | كان يقول: إن عين (استكانوا) من الياء، وكان يأخذه من اللفظ الكين ومعناه، وهو لحم باطن الفرج، أى فما ذلّوا وما خضعوا. وذلك لذلّ هذا الموضع ومهانته. وكذلك قوله: (ويستحيون نساءكم) إنما هو من لفظ الحياء ومعناه (أى الفرج)، أى يطئوهنّ. وهذا واضح.
  ومن ذلك أن يقال: من أين (يجمع بين) قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ}[الجمعة: ٨]، (وبين) قوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ٤ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ}[الماعون: ٤ - ٥]. والتقاؤهما من قبل أن الفاء فى قوله سبحانه: {فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} إنما دخلت لما فى الصفة التى هى قوله: {الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ} (من معنى الشرط)، أى إن فررتم منه لاقاكم - فجعل - عزّ اسمه - هربهم منه سببا للقيه إيّاهم؛ على وجه المبالغة؛ حتى كأنّ هذا مسبّب عن هذا؛ كما قال زهير:
  * ومن هاب أسباب المنايا ينلنه(١) *
  فمعنى الشرط إذا إنما هو مفاد من الصفة لا الموصوف. وكذلك قوله ø: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ٤ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ} إنما استحقّوا الويل لسهوهم عن الصلاة، لا للصلاة نفسها، والسهو مفاد من الصفة لا من الموصوف. فقد ترى إلى اجتماع الصفتين فى أن المستحقّ من المعنى إنما هو لما فيهما من الفعل الذى هو الفرار والسهو، وليس من نفس الموصوفين اللذين هما الموت والمصلّون. وليس كذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ
(١) صدر البيت من الطويل، وهو لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص ٣٠، وسر صناعة الإعراب ١/ ٢٦٧، وشرح شواهد المغنى ١/ ٣٨٦، ولسان العرب (سبب). ويروى: السماء بدلا من: المنايا.
وعجز البيت:
* وإن رام أسباب السماء بسلّم*