باب فى جمع الأشباه من حيث يغمض الاشتباه
  سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ}[البقرة: ٢٧٤]؛ من قبل أن معنى الفعل المشروط به هنا إنما هو مفاد من نفس الاسم الذى ليس موصوفا، أعنى: الذين ينفقون. وهذا واضح.
  وقال لى أبو علىّ |: «إنى لم أودع كتابى فى الحجة» شيئا من انتزاع أبى العباس غير هذا الموضع، أعنى قوله: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ}[الجمعة: ٨] مع قوله:
  * ومن هاب أسباب المنايا ينلنه(١) *
  وكان | يستحسن الجمع بينهما.
  ومن ذلك أن يقال: من أين يجمع قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً}[النور: ٤] مع قول الأعشى:
  حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميّت الناشر(٢)
  والتقاؤهما أن معناه: فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة، وكذلك قوله: حتى يقول الناس، أى حتى يقول كل واحد من الناس: يا عجبا! ألا ترى أنه لو لا ذلك لقيل: يا عجبنا. ومثل ذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم: أتينا الأمير فكسانا كلّنا حلّة، وأعطانا كلّنا مائة؛ أى كسا كل واحد منا حلّة، وأعطاه مائة. ومثل قوله سبحانه: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}[فاطر: ٣٧] أى: أولم نعمر كلّ واحد منكم ما يتذكّر فيه من تذكّر.
  ومن ذلك أن يقال: من أين يجمع قول العجّاج:
  * وكحّل العينين بالعواور(٣) *
(١) سبق تخريجه.
(٢) البيت من السريع، وهو للأعشى فى ديوانه ص ١٩١، ولسان العرب (نشر)، وتهذيب اللغة ١١/ ٣٣٨، ومقاييس اللغة ٥/ ٤٣٠، وتاج العروس (نشر)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٧٣٤، والمخصص ٩/ ٩٢.
(٣) الرجز للعجاج، ولجندل بن المثنى الطهوى فى شرح أبيات سيبويه ٢/ ٤٢٩، وشرح التصريح ٢/ ٣٦٩، وشرح شواهد الشافية ص ٣٧٤، والمقاصد النحوية ٤/ ٥٧١، وبلا نسبة فى الإنصاف =