الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى المستحيل

صفحة 522 - الجزء 2

  أى إن لم تتداركنى هلكت الساعة غير شكّ، هكذا يريد. فلأجله ما جاء بلفظ الواجب الواقع غير المرتاب به، ولا المشكوك فى وقوعه. وقد نظر إلى هذا الموضع أبو العتاهية، فاتّبعه فيه، وإن صغر لفظه، وتحاقر دونه. قال:

  عتب الساعة الساعه ... أموت الساعة الساعه

  وهذا - على نذالة لفظه - وفق ما نحن على سمته. وهذا هذا. وليس كذلك قولك: قمت غدا، وسأقوم أمس؛ لأنه عار من جميع ما نحن فيه؛ إلا أنه لو دلّ دليل من لفظ أو حال لجاز نحو هذا. فأمّا على تعرّيه منه، وخلوّه مما شرطناه فيه فلا.

  ومن المحال قولك: زيد أفضل إخوته، ونحو ذلك. وذلك أن أفضل: أفعل، وأفعل هذه التى معناها المبالغة والمفاضلة، متى أضيفت إلى شيء فهى بعضه؛ كقولك: زيد أفضل الناس، فهذا جائز؛ لأنه منهم، والياقوت أنفس الأحجار؛ لأنه بعضها. ولا تقول: زيد أفضل الحمير، ولا الياقوت أنفس الطعام؛ لأنهما ليسا منهما. وهذا مفاد هذا. فعلى ذلك لم يجيزوا: زيد أفضل إخوته؛ لأنه ليس واحدا من إخوته، وإنما هو واحد من بنى أبيه؛ ألا ترى أنه لو كان له إخوة بالبصرة وهو ببغداد، (وكان) بعضهم وهم بالبصرة، لوجب من هذا أن يكون من ببغداد البتّة فى حال كونه بها، مقيما بالبصرة البتّة فى تلك الحال. وأيضا، فإن الإخوة مضافون إلى ضمير زيد، وهى الهاء فى إخوته، فلو كان واحدا منهم وهم مضافون إلى ضميره كما ترى؛ لوجب أيضا أن يكون داخلا معهم فى إضافته إلى ضميره، وضمير الشئ هو الشئ البتّة، والشئ لا يضاف إلى نفسه. (وأما) قول الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ}⁣[الحاقة: ٥١] فإن الحق هنا غير اليقين، وإنما هو خالصه وواضحه، فجرى مجرى إضافة البعض إلى الكلّ؛ نحو هذا ثوب خزّ.

  ونحوه قولهم: الواحد بعض العشرة. ولا يلزم من حيث كان الواحد بعض العشرة أن يكون بعض نفسه؛ لأنه لم يضف إلى نفسه، وإنما أضيف إلى جماعة نفسه بعضها، وليس كذلك زيد أفضل إخوته؛ لأن الإخوة مضافة إلى نفس زيد، وهى الهاء التى هى ضميره. ولو كان زيد بعضهم وهم مضافون إلى ضميره لكان هو أيضا مضافا إلى ضميره الذى هو نفسه، وهذا محال. فاعرف ذلك فرقا بين