الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى المستحيل

صفحة 523 - الجزء 2

  الموضعين؛ فإنه واضح.

  فأمّا قولنا: أخذت كلّ المال، وضربت كل القوم، فليس الكل هو ما أضيف إليه. قال أبو بكر: إنما الكل عبارة عن أجزاء الشئ، وكما جاز أن يضاف أجزاء الجزء الواحد إلى الجملة، جاز أيضا أن تضاف الأجزاء كلها إليه.

  فإن قيل: فالأجزاء كلّها هى الجملة، فقد عاد الأمر إلى إضافة الشئ إلى نفسه.

  قيل: هذا فاسد، وليس أجزاء الشئ هى الشئ وإن كان مركّبا منها. بل الكل فى هذا جار مجرى البعض فى أنه ليس بالشئ نفسه؛ كما أن البعض ليس به نفسه. يدل على ذلك وأن حال البعض متصوّرة فى الكل قولك: كل القوم عاقل، أى كل واحد منهم على انفراده عاقل. هذا هو الظاهر، وهو طريق الحمل على اللفظ؛ قال الله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً}⁣[مريم: ٩٥]، وقال تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها}⁣[الكهف: ٣٣] فوحّد، وقال:

  * كلا أبويكم كان فرع دعامة⁣(⁣١) *

  فلم يقل: كانا، وهو الباب. ومثله قول الأعشى أيضا:

  حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميت الناشر⁣(⁣٢)

  أى حتى يقول كل واحد منهم: يا عجبا. وعليه قول الآخر:

  تفوّقت مال ابنى حجير وما هما ... بذى حطمة فان ولا ضرع غمّر⁣(⁣٣)

  أى: وما كل واحد منهما كذلك.

  فأما قوله تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ}⁣[النمل: ٨٧] و {كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ}⁣[البقرة: ١١٦] فمحمول على المعنى دون اللفظ. وكأنه إنما حمل عليه هنا لأن كلا فيه


(١) الفرع: الشريف.

(٢) سبق تخريجه.

(٣) تفوق المال: أخذه شيئا بعد شيء، مشتقّ من فواق الناقة. ذو الحطمة: الهرم. الضرع: الضعيف. الغمر: من لم يجرب الأمور.