الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب ذكر علل العربية أكلامية هى أم فقهية؟

صفحة 121 - الجزء 1

  وتساند إلى سليقيته ونجره⁣(⁣١).

  وسألت يوما أبا عبد الله محمد بن العسّاف العقيلىّ الجوثى، التميمىّ - تميم جوثة⁣(⁣٢) - فقلت له: كيف تقول: ضربت أخوك؟ فقال أقول: ضربت أخاك.

  فأدرته على الرفع، فأبى، وقال: لا أقول: أخوك أبدا. قلت: فكيف تقول ضربنى أخوك، فرفع. فقلت: ألست زعمت أنك لا تقول: أخوك أبدا؟ فقال: أيش هذا! اختلفت جهتا الكلام. فهل هذا إلا أدلّ شيء على تأملهم مواقع الكلام، وإعطائهم إيّاه فى كل موضع حقّه، وحصّته من الإعراب، عن ميزة، وعلى بصيرة، وأنه ليس استرسالا ولا ترجيما. ولو كان كما توهمه هذا السائل لكثر اختلافه، وانتشرت جهاته، ولم تنقد مقاييسه. وهذا موضع نفرد له بابا بإذن الله تعالى فيما بعد. وإنما أزيد فى إيضاح هذه الفصول من هذا الكتاب لأنه موضع الغرض: فيه تقرير الأصول، وإحكام معاقدها، والتنبيه على شرف هذه اللغة وسداد مصادرها ومواردها، وبه وبأمثاله تخرج أضغانها، وتبعج أحضانها، ولا سيّما هذا السمت الذى نحن عليه، ومرزون⁣(⁣٣) إليه؛ فاعرفه؛ فإنّ أحدا لم يتكلّف الكلام على علة إهمال ما أهمل، واستعمال ما استعمل. وجماع أمر القول فيه، والاستعانة على إصابة غروره⁣(⁣٤) ومطاويه، لزومك محجّة القول بالاستثقال والاستخفاف، ولكن كيف، وعلام، ومن أين، فإنه باب يحتاج منك إلى تأنّ، وفضل بيان وتأتّ. وقد دققت لك بابه، بل خرقت بك حجابه. ولا تستطل كلامى فى هذا الفصل، أو ترينّ أن المقنع فيه كان دون هذا القدر؛ فإنك إذا راجعته وأنعمت تأمّله علمت أنه منبهة للحسّ، مشجعة للنفس.

  وأما السؤال عن علة عدل عامر، وجاشم، وثاعل، وتلك الأسماء المحفوظة، إلى فعل: عمر، وجشم، وثعل، وزحل، وغدر، دون أن يكون هذا العدل فى مالك، وحاتم، وخالد، ونحو ذلك؛ فقد تقدّم الجواب عنه فيما فرط: أنهم لم يخصّوا ما هذه سبيله بالحكم دون غيره، إلا لاعتراضهم طرفا مما أطفّ لهم من


(١) النجر: الأصل والطبيعة.

(٢) جوثة: حىّ أو موضع، وتميم جوثة منسوبون إليهم. اللسان (جوث).

(٣) مرزون: مستندون، من أرزيت إلى الله: استندت.

(٤) كلّ ثوب متثنّ فى ثوب أو جلد: غرّ، وجمعه غرور. اللسان (غرر).