الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب ذكر علل العربية أكلامية هى أم فقهية؟

صفحة 124 - الجزء 1

  وحدّثنى أبو الحسن على بن عمرو عقيب منصرفه من مصر هاربا متعسّفا، قال: أذمّ⁣(⁣١) لنا غلام - أحسبه قال من طىّء - من بادية الشأم، وكان نجيبا متيقّظا، يكنى أبا الحسين ويخاطب بالأمير؛ فبعدنا عن الماء فى بعض الوقت، فأضرّ ذلك بنا، قال فقال لنا ذلك الغلام: على رسلكم فإنى أشمّ رائحة الماء. فأوقفنا بحيث كنّا، وأجرى فرسه، فتشرف هاهنا مستشفّا، ثم عدل عن ذلك الموضع إلى آخر مستروحا للماء، ففعل ذلك دفعات، ثم غاب عنا شيئا وعاد إلينا، فقال: النجاة والغنيمة، سيروا على اسم الله تعالى؛ فسرنا معه قدرا من الأرض صالحا، فأشرف بنا على بئر، فاستقينا وأروينا. ويكفى من ذلك ما حكاه من قول بعضهم لصاحبه: ألاتا، فيقول الآخر مجيبا له: بلى فا، وقول الآخر:

  * قلنا لها قفى لنا قالت قاف⁣(⁣٢) *

  ثم تجاوزوا ذلك إلى أن قالوا: «ربّ إشارة أبلغ من عبارة» نعم وقد يحذفون بعض الكلم استخفافا، حذفا يخلّ بالبقية، ويعرّض لها الشبه؛ ألا ترى إلى قول علقمة:

  كأن إبريقهم ظبى على شرف ... مفدّم بسبا الكتّان ملثوم⁣(⁣٣)

  أراد: بسبائب. وقول لبيد:

  * درس المنا بمتالع فأبان⁣(⁣٤) *


(١) أخذ له الذمة والعهد بالأمان.

(٢) سبق تخريجه.

(٣) الفدام: ما يوضع على فم الإبريق، وإبريق مفدّم: عليه فدام، اللسان (فدم). اللثام: ما كان على الفم من النقاب. والسّبّ والسبيبة: الشّقة، وخص بعضهم بها الشقة البيضاء، والجمع سبائب: والبيت فى اللسان (سبب) وفيه «أراد سبائب فحذف».

(٤) صدر البيت من الكامل، وهو للبيد بن ربيعة فى ديوانه ص ١٣٨، والدرر ٦/ ٢٠٨، وسمط اللآلى ص ١٣، وشرح التصريح ٢/ ١٨٠، وشرح شواهد الشافية ص ٣٩٧، ولسان العرب (تلع) (ابن)، والمقاصد النحوية ٤/ ٢٤٦، وتاج العروس (تلع)، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤/ ٤٤، وشرح الأشمونى ٢/ ٤٦٠، وهمع الهوامع ٢/ ١٥٦، وكتاب العين ١/ ١٧٣. وعجز البيت:

* فتقادمت بالحبس فالسّوبان*