الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى مقاييس العربية

صفحة 151 - الجزء 1

  على إيثارهم واستحبابهم حمل الفرع على الأصل، وإن عرى من ضرورة الأصل. وهذا جلىّ كما ترى.

  ومن ذلك حملهم حروف المضارعة بعضها على حكم بعض، فى نحو حذفهم الهمزة فى نكرم، وتكرم، ويكرم؛ لحذفهم إيّاها فى أكرم؛ لما كان يكون هناك من الاستثقال؛ لاجتماع الهمزتين فى نحو أؤكرم، وإن عريت بقيّة حروف المضارعة - لو لم تحذف - من اجتماع همزتين؛ وحذفهم أيضا الفاء من نحو وعد، وورد، فى يعد، ويرد؛ لما كان يلزم - لو لم تحذف - من وقوع الواو بين ياء وكسرة، ثم حملوا على ذلك ما لو لم يحذفوه لم يقع بين ياء وكسرة؛ نحو أعد، وتعد، ونعد؛ لا للاستثقال، بل لتتساوى أحوال حروف المضارعة فى حذف الفاء معها.

  فإذا جاز أن يحمل حروف المضارعة بعضها على بعض - ومراتبها متساوية، وليس بعضها أصلا لبعض - كان حمل المؤنّث على المذكّر لأن المذكّر أسبق رتبة من المؤنّث، أولى وأجدر.

  ومن ذلك مراعاتهم فى الجمع حال الواحد؛ لأنه أسبق من الجمع؛ ألا تراهم لمّا أعلّت الواو فى الواحد، أعلّوها أيضا فى الجمع، فى نحو قيمة وقيم، وديمة وديم، ولمّا صحّت فى الواحد صحّحوها فى الجمع، فقالوا: زوج وزوجة، وثور وثورة.

  فأمّا ثيرة ففى إعلال واوه ثلاثة أقوال:

  أما صاحب الكتاب فحمله على الشذوذ، وأما أبو العباس فذكر أنهم أعلّوه ليفصلوا بذلك بين الثور من الحيوان وبين الثور، وهو القطعة من الأقط؛ لأنهم لا يقولون فيه إلا ثورة بالتصحيح لا غير. وأمّا أبو بكر فذهب فى إعلال ثيرة إلى أن ذلك لأنها منقوصة من ثيارة، فتركوا الإعلال فى العين أمارة لما نووه من الألف؛ كما جعلوا تصحيح نحو اجتوروا، واعتونوا، دليلا على أنه فى معنى ما لا بدّ من صحته، وهو تجاوروا وتعاونوا. وقد قالوا أيضا: ثيرة؛ قال:

  * صدر النهار يراعى ثيرة رتعا⁣(⁣١) *


(١) عجز البيت من البسيط، وهو للأعشى فى ديوانه ص ١٥٥، وكتاب الجيم ١/ ١٠٩، وتاج =