الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى مقاييس العربية

صفحة 152 - الجزء 1

  وهذا لا نكير له فى وجوبه لسكون عينه

  نعم وقد دعاهم إيثارهم لتشبيه الأشياء بعضها ببعض أن حملوا الأصل على الفرع؛ ألا تراهم يعلّون المصدر لإعلال فعله، ويصحّحونه لصحّته. وذلك نحو قولك: قمت قياما، وقاومت قواما. فإذا حملوا الأصل الذى هو المصدر على الفرع الذى هو الفعل، فهل بقى فى وضوح الدلالة على إيثارهم تشبيه الأشياء المتقاربة بعضها ببعض شبهة!

  وعلى ذلك أيضا عوّضوا فى المصدر ما حذفوه فى الفعل؛ فقالوا: أكرم يكرم، فلمّا حذفوا الهمزة فى المضارع أثبتوها فى المصدر، فقالوا: الإكرام؛ فدلّ هذا على أن هذه المثل كلّها جارية مجرى المثال الواحد؛ ألا تراهم لمّا حذفوا ياء فرازين⁣(⁣١)، عوّضوا منها الهاء فى نفس المثال فقالوا فرازنة. وكذلك لمّا حذفوا فاء عدة، عوّضوا منها نفسها التاء وكذلك أينق⁣(⁣٢) فى أحد قولى سيبويه فيها: لمّا حذفوا عينها عوّضوا منها الياء فى نفس المثال.

  فدلّ هذا وغيره ممّا يطول تعداده على أن المثال والمصدر واسم الفاعل كلّ واحد منها يجرى عندهم، وفى محصول اعتدادهم مجرى الصورة الواحدة؛ حتى إنه إذا لزم فى بعضها شيء لعلّة ما أوجبوه فى الآخر، وإن عرى فى الظاهر من تلك العلّة، فأمّا فى الحقيقة فكأنها فيه نفسه؛ ألا ترى أنه إذا صحّ أنّ جميع هذه الأشياء على اختلاف أحوالها تجرى عندهم مجرى المثال الواحد، فإذا وجب فى شيء منها حكم فإنه لذلك كأنه أمر لا يخصّه من بقيّة الباب، بل هو جار فى


= العروس (رتع)، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٤٢٤، والمخصص ٨/ ٣٦، والمنصف ١/ ٣٤٩. ويروى تراعى بدلا من: يراعى. وصدر البيت:

* فظل يأكل منها وهى راتعة*

(١) فرزان: من لعب الشّطرنج، أعجمىّ معرّب، وجمعه فرازين. اللسان (فرزن).

(٢) أينق: الياء فى أينق عوض من الواو أونق فيمن جعلها أيفلا؛ ومن جعلها أعفلا فقدم العين مغيّرة إلى الياء جعلها بدلا من الواو، فالبدل أعم تصرفا من العوض، إذ كل عوض بدل وليس كل بدل عوضا. وذهب سيبويه فى قولهم أينق مذهبين: أحدهما أن تكون عين أينق قلبت إلى قبل الفاء فصارت فى التقدير أونق ثم أبدلت الواو ياء لأنها كما أعلت بالقلب كذلك أعلت أيضا بالإبدال، والآخر أن تكون العين حذفت ثم عوّضت الياء منها قبل الفاء. اللسان (نوق).