باب فى الاحتجاج بقول المخالف
باب فى الاحتجاج بقول المخالف
  اعلم أن هذا - على [ما فى] ظاهره - صحيح ومستقيم. وذلك أن ينبغ من أصحابه نابغ فينشئ خلافا ما على أهل مذهبه، فإذا سمّع خصمه به، وأجلب عليه قال: هذا لا يقول به أحد من الفريقين؛ فيخرجه مخرج التقبيح له، والتشنيع عليه.
  وذلك كإنكار أبى العبّاس(١) جواز تقديم خبر (ليس) عليها؛ فأحد ما يحتجّ به عليه أن يقال له: إجازة هذا مذهب سيبويه وأبى الحسن وكافّة أصحابنا، والكوفيّون(٢) أيضا معنا. فإذا كانت إجازة ذلك مذهبا للكافّة من البلدين وجب عليك - يا أبا العبّاس - أن تنفر عن خلافه، وتستوحش منه، ولا تأنس بأوّل خاطر يبدو لك فيه.
  ولعمرى إن هذا ليس بموضع قطع على الخصم؛ إلا أن فيه تشنيعا عليه، وإهابة به إلى تركه، وإضاقة(٣) لعذره فى استمراره عليه، وتهالكه فيه، من غير إحكامه وإنعام الفحص عنه. وإنما لم يكن فيه قطع لأن للإنسان أن يرتجل من المذاهب ما يدعو إليه القياس، ما لم يلو بنصّ أو ينتهك حرمة شرع. فقس على ما ترى؛ فإننى إنما أضع من كل شيء مثالا موجزا.
  * * *
(١) أبو العباس هو المبرد.
(٢) ذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز تقديم خبر «ليس» عليها، وإليه ذهب أبو العباس المبرد من البصريين، وزعم بعضهم أنه مذهب سيبويه، وليس بصحيح، والصحيح أنه ليس له فى ذلك نص. وذهب البصريون إلى أنه يجوز تقديم خبر «ليس» عليها كما يجوز تقديم خبر كان عليها. الإنصاف ١/ ١٦٠ المسألة ١٨.
(٣) الإضافة: التضييق.