باب فى نقض المراتب إذا عرض هناك عارض
  ومما نقضت مرتبته المفعول فى الاستفهام والشرط، فإنهما يجيئان مقدّمين على الفعلين الناصبين لهما، وإن كانت رتبة المعمول أن يكون بعد العامل فيه. وذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}[الشعراء: ٢٢٧] فـ (أىّ منقلب) منصوب على المصدر بـ (ينقلبون)، لا بـ (سيعلم)، وكذلك قوله تعالى: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ}[القصص: ٢٨] وقال: {أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى}[الإسراء: ١١٠] فهذا ونحوه لم يلزم تقديمه من حيث كان مفعولا. وكيف يكون ذلك وقد قال عزّ اسمه: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً}[النحل: ٧٦] وقال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ}[البقرة: ٦٥] وقال {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ}[النساء: ٤٦، المائدة: ١٣] وقال: {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ}[التحريم: ٢] وهو ملء الدنيا كثرة وسعة، لكن إنما وجب تقديمه لقرينة انضمّت إلى ذلك، وهى وجوب تقدّم الأسماء المستفهم بها والأسماء المشروط بها. فهذا من النقض العارض.
  ومن ذلك وجوب تأخير المبتدأ إذا كان نكرة وكان الخبر عنه ظرفا؛ نحو قولهم: عندك مال، وعليك دين، وتحتك بساطان ومعك ألفان. فهذه الأسماء كلّها مرفوعة بالابتداء، ومواضعها التقديم على الظروف قبلها التى هى أخبار عنها، إلا أن مانعا منع من ذلك حتى لا تقدّمها عليها، ألا (ترى أنك) لو قلت: غلام لك، أو بساطان تحتك ونحو ذلك لم يحسن؛ لا لأن المبتدأ ليس (موضعه التقديم) لكن لأمر حدث، وهو كون المبتدأ هنا نكرة؛ ألا تراه لو كان معرفة لاستمرّ وتوجّه تقديمه، فتقول: البساطان تحتك، والغلام لك. أفلا ترى أنّ ذلك إنما فسد تقديمه لما ذكرناه: من قبح تقديم المبتدأ نكرة فى الواجب، ولكن لو أزلت الكلام إلى غير الواجب لجاز تقديم النكرة؛ كقولك: هل غلام عندك، وما بساط تحتك، فجنيت الفائدة من حيث كنت قد أفدت بنفيك عنه كون البساط تحته، واستفهامك عن الغلام: أهو عنده أم لا؟ إذ كان هذا معنى جليّا مفهوما. ولو أخبرت عن النكرة فى الإيجاب مقدّمة فقلت: رجل عندك كنت قد أخبرت عن منكور لا يعرف، وإنما ينبغى أن تقدّم المعرفة ثم تخبر عنها بخبر يستفاد منه معنى منكور،