الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب من غلبة الفروع على الأصول

صفحة 308 - الجزء 1

  أصلا، وكونها جمالا فرعا، فشبّه الحقيقة بالمجاز فى المعنى الذى منه أفاد المجاز من الحقيقة ما أفاد. وعلى نحو من هذا قالوا للناقة (جماليّة) لأنهم شبّهوها بالجمل فى شدّته وعلوّ خلقه؛ قال الأعشى:

  جماليّة تغتلى بالرداف ... إذا كذب الآثمات الهجيرا⁣(⁣١)

  وقال الراعى:

  * على جماليّة كالفحل هملاج*

  وهو كثير. فلمّا شاع ذلك واطّرد صار كأنه أصل فى بابه، حتى عادوا فشبّهوا الجمل بالناقة فى ذلك؛ فقال:

  وقرّبوا كل جمالىّ عضه ... قريبة ندوته من محمضه⁣(⁣٢)

  فهذا من حملهم الأصل على الفرع فيما كان الفرع أفاده من الأصل، ونظائره فى هذه اللغة كثيرة.

  وهذا المعنى عينه قد استعمله النحويون فى صناعتهم، فشبّهوا الأصل بالفرع فى المعنى الذى أفاده ذلك الفرع من ذلك الأصل؛ ألا ترى أن سيبويه أجاز فى


(١) البيت للأعشى فى ديوانه ص ١٤٧، ولسان العرب (كذب)، (جمل)، (أثم)، (غلا)، وتهذيب اللغة ١٠/ ١٧٤، ١١/ ١٠٩، ومقاييس اللغة ١/ ٦٠، ومجمل اللغة ١/ ١٦٩، وتاج العروس (جمل)، (كذب)، (أثم)، وأساس البلاغة (كذب). غلت الدابة فى سيرها غلوا واغتلت ارتفعت فجاوزت حسن السّير والاغتلاء: الإسراع. وأثمت الناقة المشى تأثمه إثما: أبطأت. وناقة آثمة ونوق آثمات أى مبطئات. وانظر اللسان (أثم)، (غلا).

(٢) الرجز لهميان بن قحافة فى لسان العرب (حمض)، (ندى)، وتاج العروس (عضه)، (ندى)، وبلا نسبة فى تهذيب اللغة ٤/ ٢٢٢، ١٤/ ١٨٩، وجمهرة اللغة ص ٥٤٧، والمخصص ٧/ ٥٠، ٦٠، ٩٩، ١١/ ١٧٦، وكتاب الجيم ٢/ ٣٠٤، ديوان الأدب ٢/ ٢٥٤، وإصلاح المنطق ص ٣٦٥، ولسان العرب (نفد). وفى اللسان (عضه). أراد كل جماليّة ولا يعنى به الجمل لأن الجمل لا يضاف إلى نفسه، وإنما يقال فى الناقة جماليّة تشبيها لها بالجمل. ومن محمضه أى من موضعه الذى يحمض فيه، ويروى: محمضه بضم الميم. وحمضت الإبل تحمض حمضا وحموضا: أكلت الحمض، فهى حامضة. وانظر اللسان (حمض).