باب فى التقديرين المختلفين لمعنيين مختلفين
  يريد الدعاء على آبائهم من حيث ذكرها، فجاء به جمعا مصحّحا على قولك: أب، وأبون، وأبين؛ قال:
  فلمّا تبيّنّ أصواتنا ... بكين وفدّيننا بالأبينا(١)
  وعليه قول الآخر - أنشدناه -:
  فمن يك سائلا عنى فإنى ... بمكّة مولدى وبها ربيت(٢)
  وقد شنئت بها الآباء قبلى ... فما شنئت أبىّ ولا شنيت
  أى ما شنئت آبائى. فهذا شيء عرض، ولنعد.
  ومن ذلك قولهم: مختار ومعتاد، ونحو ذلك؛ فهذا يحمل تقديرين مختلفين لمعنيين مختلفين. وذلك أنه إن كان اسم الفاعل فأصله مختير ومعتود؛ كمقتطع (بكسر العين). وإن كان مفعولا فأصله مختير ومعتود، كمقتطع. فـ «مختار» من قولك: أنت مختار، للثياب؛ أى مستجيد لها أصله مختير. ومختار من قولك: هذا ثوب مختار، أصله مختير. فهذان تقديران مختلفان لمعنيين. وإنما كان يكون هذا منكرا لو كان تقدير فتح العين وكسرها لمعنى واحد؛ فأمّا وهما لمعنيين فسائغ حسن. وكذلك ما كان من المضعّف فى هذا الشرج(٣) من الكلام؛ نحو قولك: هذا رجل معتدّ للمجد؛ ونحوه، فهذا هو اسم الفاعل، وأصله معتدد (بكسر العين)، وهذا رجل معتدّ؛ أى منظور إليه، فهذا مفتعل (بفتح العين) وأصله معتدد كقولك: هذا معنى معنى معتبر؛ أى ليس؛ بصغير محتقر. وكذلك هذا جوز معتدّ، فهذا أيضا اسم المفعول، وأصله معتدد كمقتسم، ومقتطع. ونظائر هذا وما قبله كثيرة فاشية.
  ومن ذلك قولهم: كساء، وقضاء، ونحوه؛ أعللت اللام لأنك لم تعتدّ بالألف حاجزا لسكونها، وقلبتها أيضا لسكونها وسكون الألف قبلها؛ فاعتددتها من وجه،
(١) أورده سيبويه فى الكتاب ٢/ ١٠١، وقال: «أنشدناه من نثق به، وزعم أنه جاهلى» وهو زياد بن واصل السلمى. وانظر الخزانة ٢/ ٢٧٥. (نجار).
(٢) ربيت وربوت فى حجره أربى ربا وربوا أى: نشأت. والبيت فى اللسان (ربا).
(٣) الشرج: الضرب والنوع.