باب فى أن ما قيس على كلام العرب
  تراد على دمن الحياض فإن تعف ... فإنّ المندّى رحلة فركوب(١)
  أى مكان تنديتنا(٢) إيّاها أن نرحلها، فنركبها. وهذا كقوله:
  * تحيّة بينهم ضرب وجيع(٣) *
  أى ليست هناك تحيّة، بل مكان التحيّة ضرب. فهذا كقول الله سبحانه {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ}[آل عمران ٢١، التوبة: ٣٤، الانشقاق: ٢٤]. وقال رؤبة:
  * جدب المندّى شئز المعوّه(٤) *
  فهذا اسم لموضع التندية أى جدب هذا المكان. وكذلك (المعوّه) مكان أيضا، والقول فيهما واحد.
  وهذا باب مطّرد متقاود. وقد كنت ذكرت طرفا منه فى كتابى (شرح تصريف أبى عثمان)؛ غير أن الطريق ما ذكرت لك. فكل ما قيس على كلامهم فهو من كلامهم. ولهذا قال من قال فى العجّاج ورؤبة: إنهما قاسا اللغة وتصرّفا فيها، وأقدما على ما لم يأت به من قبلهما. وقد كان الفرزدق يلغز بالأبيات، ويأمر بإلقائها على ابن أبى إسحاق.
  وحكى الكسائىّ أنه سأل بعض العرب عن أحد مطايب الجزور، فقال: مطيب؛ وضحك الأعرابىّ من نفسه كيف تكلّف لهم ذلك من كلامه. فهذا ضرب من
(١) البيت لعلقمة الفحل فى ديوانه ص ٤٢، وسمط اللآلى ص ٢٥٤، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٧١، وشرح اختيارات المفضل ص ١٥٨٩، وشرح المفصل ٦/ ٥٤، والكتاب ٣/ ١٩، ولسان العرب (ركب)، (دمن)، (ندى)، وبلا نسبة فى شرح ديوان الحماسة للمرزوقى (٧٢٦)، ولسان العرب (رحل) والمقتضب ٢/ ٣٩.
(٢) التندية: أن تورد الإبل فتشرب قليلا ثم تجيء بها ترعى ثم تردها إلى الماء. اللسان (ندى).
(٣) عجز بيت لعمرو بن معد يكرب فى ديوانه ص ١٤٩، وخزانة الأدب ٩/ ٢٥٢، ٢٥٧، ٢٥٨، ٢٦١، ٢٦٢، ٢٦٣، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٢٠٠، والكتاب ٣/ ٥٠، ونوادر أبى زيد ص ١٥٠، وبلا نسبة فى أمالى ابن الحاجب ١/ ٣٤٥، وشرح المفصل ٢/ ٨٠، والكتاب ٢/ ٣٢٣، والمقتضب ٢/ ٢٠، ٤/ ٤١٣، ويروى صدره:
* وخيل قد دلفت لها بخيل*
(٤) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص ١٦٦، ولسان العرب (شأز)، (عوه) وتهذيب اللغة ٣/ ٢٢، ١١/ ٣٨٨، وبلا نسبة فى تاج العروس (عوه).