الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى امتناع العرب من الكلام بما يجوز فى القياس

صفحة 386 - الجزء 1

باب فى امتناع العرب من الكلام بما يجوز فى القياس

  وإنما يقع ذلك فى كلامهم إذا استغنت بلفظ عن لفظ؛ كاستغنائهم بقولهم: ما أجود جوابه عن قولهم: ما أجوبه، أو لأن قياسا آخر عارضه فعاق عن استعمالهم إيّاه؛ وكاستغنائهم بـ «كاد زيد يقوم» عن قولهم: كاد زيد قائما أو قياما. وربما خرج ذلك فى كلامهم؛ قال تأبّط شرّا:

  فأبت إلى فهم وما كدت آئبا ... وكم مثلها فارقتها وهى تصفر⁣(⁣١)

  هكذا صحّة رواية هذا البيت، وكذلك هو فى شعره. فأمّا رواية من لا يضبطه: وما كنت آئبا، ولم أك آئبا فلبعده عن ضبطه. ويؤكّد ما رويناه نحن مع وجوده فى الديوان أن المعنى عليه؛ ألا ترى أن معناه: فأبت وما كدت أئوب؛ فأمّا (كنت) فلا وجه لها فى هذا الموضع.

  ومثل ذلك استغناؤهم بالفعل عن اسم الفاعل فى خبر (ما) فى التعجّب؛ نحو قولهم: ما أحسن زيدا، ولم يستعملوا هنا اسم الفاعل (وإن) كان الموضع فى خبر المبتدأ إنما هو للمفرد دون الجملة.

  وممّا رفضوه استعمالا وإن كان مسوّغا قياسا وذر، وودع؛ استغنى عنهما بترك.

  ومما يجوز فى القياس - وإن لم يرد به استعمال - الأفعال التى وردت مصادرها ورفضت هى؛ نحو قولهم: فاظ الميّت يفيظ فيظا وفوظا. ولم يستعملوا من فوظ فعلا. وكذلك الأين للإعياء لم يستعملوا منه فعلا. قال أبو زيد وقالوا: رجل مدرهم ولم يقولوا درهم. وحدّثنا أبو علىّ - أظنّه عن ابن الأعرابىّ - أنهم


(١) البيت من الطويل، وهو لتأبط شرا فى ديوانه ص ٩١، والأغانى ٢١/ ١٥٩، وتخليص الشواهد ص ٣٠٩، وخزانة الأدب ٨/ ٣٧٤، ٣٧٥، ٣٧٦، والدرر ٢/ ١٥٠، وشرح التصريح ١/ ٢٠٣، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ٨٣، وشرح شواهد الإيضاح ص ٦٢٩، ولسان العرب (كيد)، والمقاصد النحوية ٢/ ١٦٥، وبلا نسبة فى الإنصاف ٢/ ٥٤٤، وأوضح المسالك ١/ ٣٠٢، وخزانة الأدب ٩/ ٣٤٧، ورصف المبانى ص ١٩٠، وشرح ابن عقيل ص ١٦٤، وشرح عهدة الحافظ ص ٨٢٢، وشرح المفصل ٧/ ١٣، وهمع الهوامع ١/ ١٣٠.