الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى امتناع العرب من الكلام بما يجوز فى القياس

صفحة 387 - الجزء 1

  يقولون: درهمت الخبّازى، فهذا غير الأول. وقالوا: رجل مفئود⁣(⁣١) ولم يصرّفوا فعله، ومفعول الصفة إنما يأتى على الفعل؛ نحو مضروب من ضرب، ومقتول من قتل.

  فأمّا امتناعهم من استعمال أفعال الويح، والويل، والويس، والويب فليس للاستغناء، بل لأن القياس نفاه ومنع منه. وذلك أنه لو صرّف الفعل من ذلك لوجب اعتلال فائه كوعد، وعينه كباع؛ فتحاموا استعماله لما كان يعقب من اجتماع إعلالين.

  فإن قيل: فهلا صرّفت هذه الأفعال واقتصر فى الإعلال لها على إعلال أحد حرفيها، كراهية لتوالى الإعلالين، كما أنّ شويت ورويت ونحو ذلك لمّا وقعت عينها ولامها حرفى علّة صحّحوا العين لاعتلال اللام تحاميا لاجتماع الإعلالين، فقالوا: شوى يشوى كقوله: رمى يرمى؟

  قيل: لو فعل ذلك فى فعل ويح وويل لوجب أن تعلّ العين وتصحّح الفاء؛ كما أنه لمّا وجب إعلال أحد حرفى شويت، وطويت، وتصحيح صاحبه أعلّوا اللام وصحّحوا العين، ومحلّ الفاء من العين محلّ العين من اللام، فالفاء أقوى من العين، كما أن العين أقوى من اللام، فلو أعلّوا العين فى الفعل من الويل ونحوه، لقالوا وال يويل، وواح يويح، وواس يويس، وواب يويب، فكانت الواو تثبت هنا مكسورة، وذلك أثقل منها فى باب وعد؛ ألا تراها هناك إنما كرهت مجاورة للكسرة فحذفت، وأصلها يوعد، والواو ساكنة والكسرة فى العين بعدها.

  ولو قالوا يويل لأثبتوها والكسرة فيها نفسها، وذلك أثقل من يوعد لو أخرجوه على أصله، وليس كذلك يشوى ويطوى؛ لأن أكثر ما فى ذلك أن أخرجوه والحركة فيه. وهكذا كانت حاله أيضا فيما صحّت لامه؛ ألا ترى أنّ يقوم أصله يقوم، فالعين فى الصحيح اللام إنما غاية أصليّتها أن تقع متحرّكة ثم سكّنت، فقيل يقوم، فأمّا ما صحّت عينه وفاؤه واو، نحو وعد ووجد، فإن أصل بنائه إنما هو سكون فائه وكسرة عينه؛ نحو يوعد، ويوزن، ويوجد، والواو كما ترى ساكنة، فلو أنك تجشّمت تصحيحها فى يويل، ويويح، لتجاوزت بالفاء حدّها المقدّر لها


(١) رجل مفئود: أصيب فؤاد بوجع.