باب فى تداخل الأصول الثلاثية
  نحو عطّار من العطر، وعصّاب من العصب. وأمّا الآخر فلأن ما عينه واو ولامه ياء أكثر مما عينه ولامه ياءان؛ ألا ترى أن باب طويت وشويت أكثر من باب حييت وعييت. وإذا كان الأمر كذلك علمت قوّة السماع وغلبته للقياس؛ ألا ترى أن سماعا واحدا غلب قياسين اثنين.
  نعم وقد يعرض هذا التداخل فى صنعة الشاعر فيرى أو يرى أنه قد جنّس وليس فى الحقيقة تجنيسا، وذلك كقول القطامى:
  * مستحقبين فؤادا ما له فاد(١) *
  ففؤاد من لفظ (ف أد) وفاد من تركيب (ف د ى)، لكنهما لمّا تقاربا هذا التقارب دنوا من التجنيس. وعليه قول الحمصىّ:
  * وتسويف العدات من السوافى(٢) *
  فظاهر هذا يكاد لا يشكّ أكثر الناس أنه مجنّس، وليس هو كذلك. وذلك أن تركيب (تسويف) من (س وف) وتركيب (السوافى) من (س ف ى)، لكن لمّا وجد فى كل واحد من الكلمتين سين وفاء وواو جرى فى بادى السمع مجرى الجنس الواحد؛ وعليه قال الطائى الكبير:
(١) صدره:
* كنية الحىّ من ذى الغيضة احتملوا*
وهو من قصيدته التى مطلعها:
ما اعتاد حب سليمى حين معتاد ... ولا تقضى بوافى دينها الطادى
يقول فيها:
ما للكواعب ودعن الحياة كما ... ودعننى واتخذن الشيب ميعادى
ثم يقول: كنية الحىّ ... ، ونية الحىّ: بعده وتحوله عن منتجعه إلى آخر. يقول: ودعننى وبعدن عنى كبعد هذا الحى إذا احتملوا من ذى الغيضة، وهو موضع، ويقول: إنهم استحقبوا معهم واحتملوا أسيرا لا فداء له من الأسر، يعنى نفسه وقع أسيرا لمن سلبت فؤاده من الحى.
(٢) «العدات» كذا فى أ، ب، ش. وفى ج: «العذاب»، وفى رسالة الغفران: «الظنون». و «السوافى» كذا فى أ، ج. وفى ش، ب: «السواف». والسوافى جمع السافى، وهو الريح التى تسفى التراب أو هو التراب نفسه، ضربه مثلا لما يبعث الأذى. والسواف: الهلاك، وقد فسر بهذا فى رسالة الغفران. (نجار).