باب فى تداخل الأصول الثلاثية
  ألحد حوى حيّة الملحدين! ... ولدن ثرى حال دون الثراء!(١)
  فيمن رواه هكذا (حوى حيّة الملحدين) أى قاتل المشركين، وكذلك قال فى آخر البيت أيضا:
  * ولدن ثرى حال دون الثراء*
  فجاء به مجئ التجنيس، وليس على الحقيقة تجنيسا صحيحا. وذلك أن التجنيس عندهم أن يتّفق اللفظان ويختلف أو يتقارب المعنيان؛ كالعقل، والمعقل، والعقلة، والعقيلة ومعقلة. وعلى ذلك وضع أهل اللغة كتب الأجناس. وليس الثرى من لفظ الثراء على الحقيقة؛ وذلك أن الثرى - وهو الندى - من تركيب (ث ر ى) لقولهم: التقى الثريان. وأمّا الثراء - لكثرة المال - فمن تركيب (ث ر و)؛ لأنه من الثروة؛ ومنه الثريّا؛ لأنها من الثروة لكثرة كواكبها مع صغر مرآتها، فكأنها كثيرة العدد بالإضافة إلى ضيق المحلّ. ومنه قولهم: ثرونا بنى فلان، نثروهم ثروة، إذا كنا أكثر منهم. فاللفظان - كما ترى - مختلفان، فلا تجنيس إذا إلا للظاهر. وقد ذكرت هذا الموضع فى كتابى فى شرح المقصور والممدود عن ابن السكيت، وأن الفرّاء تسمح فى ذكر مثل هذا على اختلاف أصوله، وأن عذره فى ذلك تشابه اللفظين بعد القلب.
  ومن ذلك قولهم: عدد طيس، وطيسل. فالياء فى طيس أصل، وتركيبه من (ط ى س) و [هى] فى طيسل زائدة، وهو من تركيب (ط س ل). ومثله الفيشة، والفيشلة: حالهما فى ذلك سواء. وذهب سيبويه فى (عنسل) إلى زيادة النون، وأخذها من قوله:
  عسلان الذئب أمسى قاربا ... برد الليل عليه فنسل(٢)
(١) هذا فى مرثية لخالد بن يزيد بن مزيد الشيبانى. وترى «ألحد» و «لدن» مرفوعين، وهو ما فى الديوان. وفى أصول الخصائص: ألحدا، ولدن بنصبهما. والوجه ما أثبته. يقول: أيحوى لحد حية الملحدين! يعجب من هذا. والملحدون: الكافرون، وحيتهم: مهلكهم كما يهلك الحية من لدغه. و «لدن ثرى» فاللدن الناعم، وهو من إضافة الصفة للموصوف: أى أيحول الثرى - وهو هنا تراب القبر - دون الغنى والوفر الحالين فيه بحلول المرثى. (نجار).
(٢) البيت من الرمل، وهو للبيد فى ديوانه ص ٢٠٠، ولسان العرب (عسل)، وتاج العروس -