باب فى تلاقى المعانى، على اختلاف الأصول والمبانى
  من تسرّبها. وأنشد أبو علىّ عن أبى بكر لعمارة:
  هذا الزمان مولّ خيره آزى ... صارت رءوس به أذناب أعجاز
  وكذلك بلو مال، أى هو بمعرفته به قد بلاه واختبره؛ قال الله سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ}[محمد: ٣١] قال عمر بن لحأ:
  فصادفت أعصل من أبلائها ... يعجبه النزع على ظمائها(١)
  وكذلك حبل مال، كأنه يضبطها؛ كما يضبطها الحبل يشدّ به. ومنه الحبل: الداهية من الرجال؛ لأنه يضبط الأمور ويحيط بها.
  وكذلك عسل مال؛ لأنه يأتيها ويعسل إليها من كلّ مكان، ومنه الذئب العسول؛ ألا ترى أنه إنما سمى ذئبا لتذاؤبه وخبثه، ومجيئه تارة من هنا، ومرة من هنا.
  وكذلك زرّ مال: أى يجمعه ويضبطه؛ كما يضبط الزرّ [الشئ] المزرور.
  فهذه الأصول وهذه الصّيغ على اختلاف الجميع مرتمية إلى موضع واحد على ما ترى.
  ومن ذلك قولهم للدم: الجديّة، والبصيرة. فالدم من الدمية لفظا ومعنى.
  وذلك أن الدمية إنما هى للعين والبصر، وإذا شوهدت فكأن ما هى صورته مشاهد بها، وغير غائب مع حضورها، فهى تصف حال ما بعد عنك. وهذا هو الغرض فى هذه الصّور المرسومة للمشاهدة. وتلك عندهم حال الدم؛ ألا ترى أن الرميّة إذا غابت عن الرامى استدلّ عليها بدمها فاتبعه حتى يؤدّيه إليها. ويؤكّد ذلك لك قولهم فيه (البصيرة) وذلك أنها [إذا] أبصرت أدّت إلى المرمىّ الجريح. ولذلك أيضا قالوا له (الجديّة) لأنه يجدى على الطالب للرميّة ما يبغيه منها. ولو لم ير
(١) الرجز لعمر بن لجأ التيمى فى ديوانه ص ١٥١، ولسان العرب (بلا)، وتاج العروس (بلى)، وبلا نسبة فى المخصص ٧/ ٨٢. يتحدث عن إبل سقاها. والأعصل: اليابس البدن. والنزع: نزع الدلو من البئر.