مقدمة المؤلف
  بكتابنا هذا علمت بذاك أنا نبنا عنه فيه، وكفيناه كلفة التعب به، وكافأناه على لطيف ما أولاناه من علومه المسوقة إلينا، المفيضة ماء البشر والبشاشة علينا، حتى دعا ذلك أقواما نزرت(١) من معرفة حقائق هذا العلم حظوظهم، وتأخّرت عن إدراكه أقدامهم، إلى الطعن عليه، والقدح فى احتجاجاته وعلله. وسترى ذلك مشروحا فى الفصول بإذن الله تعالى.
  ثم إن بعض من يعتادنى، ويلمّ لقراءة هذا العلم بى، ممن آنس بصحبته لى، وأرتضى حال أخذه عنى، سأل فأطال المسألة، وأكثر الحفاوة والملاينة، أن أمضى الرأى فى إنشاء هذا الكتاب، وأوليه طرفا من العناية والانصباب. فجمعت بين ما أعتقده: من وجوب ذلك علىّ، إلى(٢) ما أوثره من إجابة هذا السائل لى. فبدأت به، ووضعت يدى فيه، واستعنت الله على عمله، واستمددته سبحانه من إرشاده وتوفيقه وهو - عزّ اسمه - مؤتى ذاك بقدرته، وطوله ومشيئته.
= واعلم أنه حيث أطلق «أبو الحسن» فى كتابنا هذا - فالمراد به الأخفش الأوسط دون غيره من الأخافش، وهذه الكنية حيث أطلقت فى كتب النحاة: فلا يكاد يراد منها إلا أبو الحسن سعيد ابن مسعدة، الأخفش الأوسط، ويزعم ابن الطيب الفاسى فى شرحه على «اقتراح السيوطى»: أن هذه الكنية عند النحاة خاصة بالأخفش الأصغر على بن سليمان، وهو وهم ظاهر منه. ولا يفوتك أن تعلم أن المجد الفيروزآبادي ذكر فى «قاموسه» أن الأخافش فى النحاة ثلاثة»، وقد بان لك من كلام السيوطى فى المزهر أنهم أحد عشر، فلعل صاحب القاموس يريد بالأخافش من النحاة المشهورين من المتقدمين، وهم الأكبر والأوسط والأصغر (انظر: المزهر: (٢/ ٤٥٣، ٤٥٤)، والقاموس (خفش).
(١) نزرت: أى قلّت وندرت.
(٢) الواجب فى العربية أن يقال: جمعت بين كذا وكذا، أو: جمعت كذا إلى كذا، فقول ابن جنى: «فجمعت بين ما أعتقده ... إلى ما أوثره ...» توهّم أنه قال أولا: «فجمعت ما أعتقده» بدون ذكر لـ «بين»؛ فقال: «إلى ما أوثره»، وإجراء الكلام على التوهم باب فى النحو واللغة مطروق، وسبيل فيه مهيع. وقد علّق الأستاذ محمد على النجار | على هذا الموضع، فقال: (الواجب فى العربية أن يقال: «وما ... إلخ»، ولكنه راعى فى الجمع معنى الضم) ا هـ كلامه، لكن هذا الجواب لا ينهض؛ لأن معنى الضم مراد من «الجمع» اعتبار؛ فلو أنك وضعت: «فضممت» مكان قول ابن جنى «فجمعت»، لما استقامت معك العبارة، ولا سلست لك، اللهم إلا على ما ذكرنا لك من التوهّم والحسبان، فاعلم ذلك وقس عليه تخريج نظائره مما تلفيه من عبارات ابن جنى فى هذا الكتاب وغيره.