مقدمة المؤلف
  هذا باب القول على الفصل بين الكلام والقول
  ولنقدّم أمام القول على فرق بينهما(١)، طرفا من ذكر أحوال تصاريفهما، واشتقاقهما، مع تقلب حروفهما؛ فإن هذا موضع يتجاوز قدر الاشتقاق، ويعلوه إلى ما فوقه. وستراه فتجده طريقا غريبا، ومسلكا من هذه اللغة الشريفة عجيبا.
  فأقول: إنّ معنى «ق و ل» أين وجدت، وكيف تصرّفت(٢)، من تقدّم بعض حروفها على بعض، وتأخّره عنه، إنما هو للخفوف(٣) والحركة. وجهات تراكيبها الست مستعملة كلها، لم يهمل شيء منها. وهى: «ق و ل»، «ق ل و»، «و ق ل»،
(١) فى نسخة: «الفرق بينهما»، وما فى سائر النسخ أولى؛ لأمور:
الأول: كثرة النسخ التى فيها: «فرق بينهما»، وتفرّد النسخة التى فيها: «الفرق بينهما».
الثانى: أن قوله: «فرق بينهما» تقرأ بإضافة «فرق» إلى «بينهما» والبين» هنا: الوصل والاجتماع؛ إذ البين - فى لغة العرب - من الأضداد، وهو ظرف متصرّف، يقع ظرفا وغير ظرف، وقد قرأ أكثر السبعة - ابن كثير وأبو عمرو وغيرهما -: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}[الأنعام: ٩٤] برفع «بينكم». وبإضافة «فرق» إلى «بينهما» فى قول ابن جنى: يتحقق السجع مع قوله: «أحوال تصاريفهما» بالإضافة أيضا لانكسار الهاء فيهما، لانكسار ما قبلها، وهذا يفوت بما فى النسخة الفردة: «الفرق بينهما»، واعتبار السجع وتوافق الفواصل فى كلام أهل العلم - مراعى ومقصود، وليس لنا ألا نعتبره. الثالث: أن ما فى أكثر النسخ: «فرق بينهما» أوفق بعبارات ابن جنى، ونسق أسلوبه، وإنك لواجده، ويحمل ما تشابه من كلام المؤلفين فى موضع على ما اطرد وأحكم منه فى موضع آخر، فاعتبر ذلك هنا.
(٢) فى بعض النسخ: «وقعت».
(٣) كذا فى النسخ، ولو قال: «إنما هو الخفوف» لكان يشبه أن يكون أقرب، وهو من قولهم: خف القوم خفوفا: إذا ارتحلوا مسرعين. والظاهر: أن ابن جنى حاول بهذا تأكيد اختصاص معنى «ق و ل» بالخفوف والحركة، وإنما يتأتى تأكيد الاختصاص هنا بأداتين له، هما: «إنّما»، و «لام الاختصاص» فى قوله: «للخفوف». وكون اللام للاختصاص مما ذكر النحاة فى كتبهم، ومثلوا له بمثل قولهم: اللجام للفرس». فإن يكن ابن جنى حاول هذا المعنى، فقد جاء لفظه مطابقا لما حاول منه ويكون - حينئذ - أنسب بالسياق، وأوفق له.