الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

مقدمة المؤلف

صفحة 59 - الجزء 1

  «و ل ق»، «ل ق و»، «ل و ق».

  الأصل الأوّل «ق و ل» وهو القول. وذلك أن الفم واللسان يخفّان له، ويقلقان ويمذلان⁣(⁣١) به. وهو بضد السكوت، الذى هو داعية إلى السكون؛ ألا ترى أن الابتداء لما كان أخذا فى القول، لم يكن الحرف المبدوء به إلا متحركا، ولمّا كان الانتهاء أخذا فى السكوت، لم يكن الحرف الموقوف عليه إلا ساكنا⁣(⁣٢).

  الأصل الثانى «ق ل و» منه القلو: حمار الوحش؛ وذلك لخفّته وإسراعه؛ قال العجّاج:

  * تواضخ التقريب قلوا مغلجا⁣(⁣٣) *

  ومنه قولهم «قلوت البسر والسّويق، فهما مقلوّان» وذلك لأن الشئ إذا قلى جفّ وخفّ، وكان أسرع إلى الحركة وألطف، ومنه قولهم «اقلوليت يا رجل» قال:


(١) من قولهم: مذل مذلا، أى: ضجر وقلق، فهو مذل، وهى مذلة، وفيها لغتان: مذل يمذل مذلا، من باب فرح، ومذل يمذل مذلا، من باب نصر. انظر «تهذيب لسان العرب» (مذل).

(٢) ولذلك فلا يبتدأ إلا بمتحرك، فإن بدئ بساكن، اجتلبت له همزة وصل متحركة يبتدأ بها؛ ليتوصل بها إلى النطق بالساكن، وكذا لا يوقف إلا على ساكن؛ لأنه موضع راحة وسكون، فإن وقف على متحرك، اجتلبت له هاء السكت - وهى ساكنة - ليوقف عليها.

(٣) الرجز للعجّاج فى ديوانه ٢/ ٥١، ولسان العرب ٣/ ٦٧ (وضخ)، وبلا نسبة فى كتاب العين ٤/ ٢٨٣. ويروى: محلجا. وهو من أرجوزة طويلة له، يصف أتانا له، وفيها:

كأنّ تحتى ذات شغب سمحجا ... قوداء لا تحمل إلا مخدجا

كالقوس ردّت غير ما أن تعوجا ... تواضخ التقريب قلوا محلجا

جأبا ترى تليله مسحّجا

وقوله: «تواضخ التقريب» أى: تجتهد مع فحلها فى الجرى، وأصل المواضخة: المباراة فى الاستقاء بالدلاء، وهو أن يستقى الرجل دلوا والآخر دلوا، والتقريب: نوع من الجرى وهو أن يرفع يديه معا، ويضعهما معا؛ كما فى قول امرئ القيس:

له أيطلا ظبى وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل

والمغلج - أو المحلج فى رواية الديوان - أى: الشديد المدمج، يقول: هو مطوىّ مثل المغلج، أو المحلج، يقول: عوده شديد، وخلقه شديد. أو: المغلج: هو الذى يطرد أتنه، يعنى: الفحل. وانظر الأرجوزة بتمامها - مع شرحها - فى «ديوان العجاج» (ص ٢٧١ - ٣٠٣).