باب فى استعمال الحروف بعضها مكان بعض
  يحمل على نظيره. وقد سلك سيبويه هذه الطريق فى المصادر كثيرا، فقال: قالوا كذا كما قالوا كذا، وأحدهما ضدّ الآخر. ونحو منه قول الآخر:
  إذا ما امرؤ ولّى علىّ بوده ... وأدبر لم يصدر بإدباره ودّى(١)
  أى عنّى. ووجهه أنه إذا ولّى عنه يودّه فقد استهلكه عليه؛ كقولك. أهلكت علىّ مالى، وأفسدت علىّ ضيعتى. وجاز أن يستعمل (على) هاهنا؛ لأنه أمر عليه لا له. وقد تقدّم نحو هذا.
  وأما قول الآخر:
  شدّوا المطىّ على دليل دائب ... من أهل كاظمة بسيف الأبحر(٢)
  فقالوا معناه: بدليل. وهو عندى أنا على حذف المضاف؛ أى شدّوا المطى على دلالة دليل، فحذف المضاف. وقوى حذفه هنا شيئا؛ لأن لفظ الدليل يدلّ على الدلالة. وهو كقولك: سر على اسم الله. و (على) هذه عندى حال من الضمير فى سر وشدّوا، وليست موصّلة لهذين الفعلين؛ لكنها متعلّقة بمحذوف؛ حتى كما قال: (سر معتمدا على اسم الله)؛ ففى الظرف إذا ضمير لتعلقه بالمحذوف.
  وقال:
  بطل كأنّ ثيابه فى سرحة ... يحذى نعال السبت ليس بتوأم(٣)
  أى على سرحة (وجاز ذلك من حيث كان معلوما أن ثيابه لا تكون فى دار
(١) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى أدب الكاتب ص ٥٠٨، وجمهرة اللغة ص ١٣١٤، وخزانة الأدب ١٠/ ١٣٣، ورصف المبانى ص ٣٧٣، ولسان العرب (ولى). ويروى: عليك بوجهه بدلا من: علىّ بوده.
(٢) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (دلل)، وجمهرة اللغة ص ١٣١٤، وتاج العروس (دلل). السّيف: ساحل البحر.
(٣) البيت من الكامل، وهو لعنترة فى ديوانه ص ٢١٢، وأدب الكاتب ص ٥٠٦، والأزهيّة ص ٢٦٧، وجمهرة اللغة ص ٥٢١، ١٣١٥، وخزانة الأدب ٩/ ٤٨٥، ٤٩٠، وشرح شواهد المغنى ١/ ٤٧٩، والمنصف ٣/ ١٧، ولسان العرب (سرح)، ورصف المبانى ص ٣٨٩، وشرح الأشمونى ٢/ ٢٩٢، وشرح المفصل ٨/ ٢١، ومغنى اللبيب ١/ ١٦٩. السرحة: شجرة فيها طول. والنعال السبتية: المدبوغة وهى أجود النعال.