الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

فصل فى التقديم والتأخير

صفحة 160 - الجزء 2

  أتهجر ليلى للفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق يطيب⁣(⁣١)

  فتقابله برواية الزّجاجىّ وإسماعيل بن نصر وأبى إسحاق أيضا:

  *وما كان نفسى بالفراق تطيب*

  فرواية برواية، والقياس من بعد حاكم. وذلك أن هذا المميز هو الفاعل فى المعنى؛ ألا ترى أن أصل الكلام تصبّب عرقى، وتفقّأ شحمى، ثم نقل الفعل، فصار فى اللفظ لى، فخرج الفاعل فى الأصل مميّزا، فكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل، فكذلك لا يجوز تقديم المميز؛ إذ كان هو الفاعل فى المعنى على الفعل.

  فإن قلت: فقد تقدّم الحال على العامل فيها، وإن كانت الحال هى صاحبة الحال فى المعنى؛ نحو قولك: راكبا جئت، و {خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ}⁣[القمر: ٧].

  قيل: الفرق أن الحال (لم تكن) فى الأصل هى الفاعلة؛ كما كان المميز كذلك؛ ألا ترى أنه ليس التقدير والأصل: جاء راكبى؛ كما أن أصل طبت به نفسا طابت به نفسى، وإنما الحال مفعول فيها، كالظرف، ولم تكن قطّ فاعلة فنقل الفعل عنها. فأمّا كونها هى الفاعل فى المعنى فككون خبر كان هو اسمها الجارى مجرى الفاعل فى المعنى (وأنت) تقدّمه على (كان) فتقول: قائما كان زيد، ولا تجيز تقديم اسمها عليها. فهذا فرق.

  وكما لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل فكذلك لا يجوز تقديم ما أقيم مقام الفاعل؛ كضرب زيد.

  وبعد فليس فى الدنيا مرفوع يجوز تقديمه على رافعه. فأمّا خبر المبتدأ فلم


(١) البيت من الطويل، وهو للخبل السعدى فى ديوانه ص ٢٩٠، ولسان العرب (حبب)، وللمخبّل السّعدى، أو لأعشى همدان، أو لقيس بن الملوّح فى الدرر ٤/ ٣٦، والمقاصد النحوية ٣/ ٢٣٥، وللمخبل السعدى أو لقيس بن معاذ فى شرح شواهد الإيضاح ص ١٨٨، وبلا نسبة فى أسرار العربية ص ١٩٧، والإنصاف ص ٨٢٨، وشرح الأشمونى ١/ ٢٦٦، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقى ص ١٣٣٠، وشرح ابن عقيل ص ٣٤٨، وشرح المفصل ٢/ ٧٤، والمقتضب ٣/ ٣٦، ٣٧، وهمع الهوامع ١/ ٢٥٢. ويروى: (تطيب) مكان (يطيب).