فصل فى التقديم والتأخير
  والقباب» صفة لملوك. وقوله: «توارثوها سرادقها» صفة ثانية لملوك، وموضعها التأخير، فقدّمها وهو يريد بها موضعها؛ كقولك: مررت برجل مكلّمها مارّ بهند، أى مارّ بهند مكلّمها؛ فقدّم الصفة الثانية وهو معتقد تأخيرها. «ومعنى يبتنون المقاول» أى أنهم يصطنعون المقاول ويبتنونهم؛ كقول المولّد:
  يبنى الرجال وغيره يبنى القرى ... شتّان بين قرى وبين رجال(١)
  وقوله: «توارثوها» أى توارثوا الرجال والقباب. ويجوز أن تكون الهاء ضمير المصدر؛ أى توارثوا هذه الفعلات.
  فأمّا ما أنشده أبو الحسن من قوله:
  لسنا كمن حلّت إياد دارها ... تكريت ترقب حبّها أن يحصدا(٢)
  فمعناه: لسنا كمن حلّت دارها، ثم أبدل (إياد) من (من حلت دارها) فإن حملته على هذا كان لحنا؛ لفصلك بالبدل بين بعض الصلة وبعض، فجرى ذلك فى فساده مجرى قولك: مررت بالضارب زيد جعفرا. وذلك أن البدل إذا جرى على المبدل منه آذن بتمامه وانقضاء أجزاءه، فكيف يسوغ لك أن تبدل منه وقد بقيت منه بقيّة! هذا خطأ فى الصناعة. وإذا كان كذلك والمعنى عليه أضمرت ما يدلّ عليه (حلّت) فنصبت به الدار، فصار تقديره: لسنا كمن حلّت إياد، أى كإياد التى حلّت، ثم قلت من بعده: حلّت دارها. فدلّ (حلّت) فى الصلة على (حلّت) هذه التى نصبت (دارها).
  ومثله قول الله سبحانه: {إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ ٨ يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ}[الطارق: ٨ - ٩] (أى يرجعه يوم تبلى السرائر) فدل «رجعه» على يرجعه. ولا يجوز أن تعلّق
(١) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة فى تاج العروس (مذع)، ومعجم البلدان (مذع).
(٢) البيت من الكامل، وهو للأعشى فى ديوانه ص ٢٨١، ولسان العرب (منن)، وبلا نسبة فى مغنى اللبيب ٢/ ٥٤١، ولسان العرب (كرت). ويروى: (جعلت) مكان (حلّت)، (تمنع) مكان (ترقب). وتكريت: أرض، قال ابن جنى: تقدير لسنا كمن حلّت رياد دارها، أى كإياد التى حلّت، ثم فلّت من بعد أن حلّت دارها، فدلّ حلت فى الصلة على حلت هذه التى نصبت دارها. اللسان (كرت).