مقدمة المؤلف
  يعرف إلا بالقول(١)، أو بما يقوم مقام القول: من شاهد الحال؛ فلمّا كانت لا تظهر إلا بالقول سمّيت قولا؛ إذ كانت سببا له، وكان القول دليلا عليها؛ كما يسمّى الشئ باسم غيره، إذا كان ملابسا له. ومثله فى الملابسة قول الله سبحانه {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ}[إبراهيم: ١٧] ومعناه - والله أعلم - أسباب الموت؛ إذ لو جاءه الموت نفسه لمات به لا محالة. ومنه تسمية المزادة(٢) الراوية(٣)، والنجو(٤) نفسه الغائط، وهو كثير.
  فإن قيل: فكيف عبّروا عن الاعتقادات والآراء بالقول، ولم يعبّروا عنها بالكلام، ولو سوّوا بينهما، أو قلبوا الاستعمال، كان ما ذا(٥)؟
  فالجواب أنهم إنما فعلوا ذلك من حيث كان القول بالاعتقاد أشبه منه بالكلام؛ وذلك أنّ الاعتقاد لا يفهم إلا بغيره، وهو العبارة عنه، كما أنّ القول قد لا يتم معناه إلا بغيره؛ ألا ترى أنك إذا قلت: قام وأخليته من ضمير فإنه لا يتم معناه الذى وضع فى الكلام عليه وله؛ لأنه إنما وضع على أن يفاد معناه مقترنا بما يسند إليه من الفاعل، وقام هذه نفسها قول، وهى ناقصة محتاجة إلى الفاعل، كاحتياج الاعتقاد إلى العبارة عنه. فلما اشتبها من هنا عبّر عن أحدهما بصاحبه. وليس كذلك الكلام؛ لأنه وضع على الاستقلال، والاستغناء عما سواه. والقول قد
(١) قلت: ومن ذلك قول أهل السنة والجماعة: (الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص) فالقول عندهم يشمل قول القلب أى إقراره وتصديقه، وقول اللسان وهو المعتبر فى إثبات الحد الظاهر من الإيمان وهو الإسلام لأنه لا دليل لنا على قول القلب وإقراره إلا قول اللسان.
(٢) المزادة: وعاء الماء كالقربة. والراوية فى الأصل: البعير يستقى عليه ويحمل المزادة، وتقال الراوية للمزادة نفسها لأن الراوية - وهو البعير - يحملها، فكانت بسبب منه، فعلى ذلك فهى من المجاز المرسل.
(٢) المزادة: وعاء الماء كالقربة. والراوية فى الأصل: البعير يستقى عليه ويحمل المزادة، وتقال الراوية للمزادة نفسها لأن الراوية - وهو البعير - يحملها، فكانت بسبب منه، فعلى ذلك فهى من المجاز المرسل.
(٣) يريد أن النجو من النجوة، وهى ما ارتفع من الأرض، فقيل للغائط نجو لأن من يريد قضاء الحاجة يطلب النجوة - المرتفع من الأرض - يجلس تحتها تسترا، فإطلاق النجو على الخارج هو من المجاز المرسل كذلك وعلاقته المحلية.
(٤) ترى أنه أخرج «ما ذا» عن الصدر؛ إذ أعمل فيها «كان» وهذا لا شيء فيه. وكلام العرب على ذلك. وقد ذكر ابن مالك هذا فى توضيحه الموضوع على مشكلات الجامع الصحيح، وقد طبع فى الهند، واستشهد على هذا الحكم بقول عائشة ^ فى حديث الإفك: أقول ما ذا؟ أفعل ما ذا؟. وانظر حاشية الشيخ يس على التصريح فى مبحث الموصول. (نجار).