الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب فى تسمية الفعل

صفحة 276 - الجزء 2

باب فى تسمية الفعل

  اعلم أن العرب قد سمّت الفعل بأسماء، لما سنذكره. وذلك على ضربين:

  أحدهما: فى الأمر والنهى، والآخر: فى الخبر.

  الأوّل منهما نحو قولهم: صه، فهذا اسم اسكت؛ ومه، فهذا: اكفف، ودونك اسم خذ. وكذلك عندك ووراءك اسم تنحّ، ومكانك اسم اثبت. قال:

  وقولى كلّما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدى أو تستريحى⁣(⁣١)

  فجوابه بالجزم دليل على أنه كأنه قال: اثبتى تحمدى أو تستريحى. وكذلك قول الله جلّ اسمه: {مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ}⁣[يونس: ٢٨] ف (أنتم) توكيد للضمير فى (مكانكم)؛ كقولك: اثبتوا أنتم وشركاؤكم، وعطف على ذلك الضمير بعد أن وكّده (الشركاء). ويؤكّد ذلك عندك قول بعضهم: مكانكنى؛ فإلحاقه النون كما تلحق النون نفس الفعل فى (أكرمنى) ونحوه دليل على قوّة شبهه بالفعل. ونحوه قولهم أيضا: كما أنتنى؛ كقولك: انتظرنى.

  ومنها هلمّ، وهو اسم ائت، وتعال. قال الخليل: هى مركبة؛ وأصلها عنده (ها) للتنبيه، ثم قال: «لم» أى لم بنا، ثم كثر استعمالها فحذفت الألف تخفيفا، ولأن اللام بعدها وإن كانت متحركة فإنها فى حكم السكون؛ ألا ترى أن الأصل وأقوى اللغتين - وهى الحجازيّة - (أن تقول فيها: المم بنا) فلمّا كانت لام (هلمّ) فى تقدير السكون حذف لها ألف (ها)، كما تحذف لالتقاء الساكنين، فصارت


(١) البيت من الوافر، وهو لعمرو بن الإطنابة فى إنباه الرواة ٣/ ٢٨١، وحماسة البحترى ص ٩، والحيوان ٦/ ٤٢٥، وجمهرة اللغة ص ١٠٩٥، وخزانة الأدب ٢/ ٤٢٨، والدرر ٤/ ٨٤، وديوان المعانى ١/ ١١٤، وسمط اللآلى ص ٥٧٤، وشرح التصريح ٢/ ٢٤٣، وشرح شواهد المغنى ص ٥٤٦، ومجالس ثعلب ص ٨٣، والمقاصد النحوية ٤/ ٤١٥، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٤/ ١٨٩، وشرح الأشمونى ٣/ ٥٦٩، وشرح شذور الذهب ص ٤٤٧، وشرح قطر الندى ص ١١٧، وشرح المفصل ٤/ ٧٤، ولسان العرب (جشأ)، ومغنى اللبيب ١/ ٢٠٣، والمقرب ١/ ٧٣، وهمع الهوامع ٢/ ١٣. جشأت نفسه تجشأ جشوءا: ارتفعت ونهضت إليه وجاشت من حزن أو فزع.