الخصائص لابن جني،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب القول على الإعراب

صفحة 89 - الجزء 1

باب القول على الإعراب

  هو الإبانة عن المعانى بالألفاظ؛ ألا ترى أنك إذا سمعت أكرم سعيد أباه، وشكر سعيدا أبوه، علمت برفع أحدهما ونصب الآخر الفاعل من المفعول، ولو كان الكلام شرجا⁣(⁣١) واحدا لاستبهم أحدهما من صاحبه.

  فإن قلت: فقد تقول ضرب يحيى بشرى، فلا تجد هناك إعرابا فاصلا، وكذلك نحوه، قيل: إذا اتفق ما هذه سبيله، مما يخفى فى اللفظ حاله، ألزم الكلام من تقديم الفاعل، وتأخير المفعول، ما يقوم مقام بيان الإعراب. فإن كانت هناك دلالة أخرى من قبل المعنى وقع التصرف فيه بالتقديم والتأخير؛ نحو أكل يحيى كمّثرى: لك أن تقدّم وأن تؤخر كيف شئت؛ وكذلك ضربت هذا هذه، وكلّم هذه هذا؛ وكذلك إن وضح الغرض بالتثنية أو الجمع جاز لك التصرّف؛ نحو قولك أكرم اليحييان البشريين، وضرب البشريين اليحيون؛ وكذلك لو أومأت إلى رجل وفرس، فقلت: كلّم هذا هذا فلم يجبه لجعلت الفاعل والمفعول أيّهما شئت؛ لأن فى الحال بيانا لما تعنى. وكذلك قولك ولدت هذه هذه، من حيث كانت حال الأمّ من البنت معروفة، غير منكورة. وكذلك إن ألحقت الكلام ضربا من الإتباع جاز لك التصرف لما تعقب من البيان؛ نحو ضرب يحيى نفسه بشرى، أو كلّم بشرى العاقل معلّى، أو كلم هذا وزيدا يحيى. ومن أجاز قام وزيد عمرو لم يجز ذلك فى نحو «كلّم هذا وزيد يحيى» وهو يريد كلم هذا يحيى وزيد، كما يجيز «ضرب زيدا وعمرو جعفر».

  فهذا طرف من القول أدّى إليه ذكر الإعراب.

  وأمّا لفظه فإنه مصدر أعربت عن الشئ إذا أوضحت عنه؛ وفلان معرب عما فى نفسه أى مبين له، وموضح عنه؛ ومنه عرّبت الفرس تعريبا إذا بزغته، وذلك أن تنسف أسفل حافره، ومعناه أنه قد بان بذلك ما كان خفيّا من أمره لظهوره إلى مرآة العين، بعد ما كان مستورا؛ وبذلك تعرف حاله: أصلب هو أم رخو؟


(١) الشرج: الضرب والنوع؛ يقال: هما شرج واحد، وعلى شرج واحد، أى ضرب واحد. ويقال: هو شريج هذا وشرجه أى مثله. اللسان (شرج).